عِش حَاضِرك تَسعد




أنا ، وأنت ، وأنتم ، وكلنا جميعاً ، لا نخلو من لحظات تفكيرٍ ، إما في ماضٍ ولّى وانقضى ، وإما في مستقبلٍ لا ندري ما الله صانعٌ بنا ، وإما في حاضرٍ ساعاته ، ودقائقه تمر سريعة كلمح البصر .

ما رأيكم بمن يعيش ليله ونهاره وجُلّ تفكيره في ماضٍ كان يعتبره أليم ،  حيث يسرد فيه عقله الباطن أحداثاً مؤلمه حدثت في طفولته ، أو في شبابه ، فيعيش تلك اللحظات ، ويسرح بتفكيره في عالَمٍ تصرمت أيامه ولياليه ، ولا يزال مكتوٍ بماضٍ بئيس يطحن فيه تلك المواقف القديمه ، ويعيد طحنها كل يوم ، لا لأخذ العظه والعبرة ، بل مجرد تفكير واستحضار لأحداث مؤلمه تمليها عليه نفس متشائمة مُترعة باليأس ، والإحباط ، والأفكار السلبية والسوداوية التي تتلف أعصابه ، وتهد نفسيته ، وتدمر كيانه . !

صنف آخر يعيش في دائرة الماضي أيضاً ، لكن ماضٍ أيامه جميلة ، حلوة ، مبهجة ، كان يعيشها فيما سبق ، فيستحضر ذهنه الماضي الجميل بكل لحظاته الحلوة ، ويسرح بتفكيره إلى عالَم محفوف بأطياف السعادة ، فما يلبث إلا أنْ يصطدم بواقعٍ مؤلم مرير ، ثم يردد بصمتٍ مُطبق : (  ألا ليت ماضينا الجميل يعود يوماً ما ) ! .

ولو بحثنا عن صنف آخر ، وما أكثرهم نجد أنهم يعيشون هاجساً اسمه : «  المستقبل » فكثيراً ما يعتريهم حزن ، أو خوف ، أو رهبة ، أو قلق شديد من المستقبل ؛  فهم يخشون على أرزاقهم ، وتأمين لقمة عيش أفضل مما هم عليه الآن ، وربما يقلقون من فقد مصدر رزقهم بسبب مرض ، أو حادث ، أو حرب ، أو أي سبب آخر ، وقد يقلقون على مستقبل أولادهم وأهلهم بشكل عام ، إلى غير ذلك من هواجس أراها إن تجاوزت حدها فهي مجرد وساوس من عمل الشيطان لا تفيد من يشغل تفكيره بها ، بل تضره ، وربما تمرضه نفسيا أو جسديا . !

هذان صنفان من الناس ، وما أكثرهم ، ينحصر تفكيرهم في ماضٍ ولّى وانقضى ، أو في مستقبل منتظر ، أو في كليهما معا.
وأنا هنا أريد أنْ أسأل هذين الصنفين :
ما فائدة إتلاف أعصابكم في ماضٍ ولّت أيامه بلياليها ؟! .
أمَا آن الأوان أن تنسوا ما مضى ، وتنفضوا غبار الأسى ، وتفتحوا صفحة جديدة مليئة بالتفاؤل والأمل لحاضركم ومستقبلكم وترسموا خططاً أساسها الجِد والكفاح والعلم والعمل  ؟! .

وكذا من عاش أسير مستقبله ، فجثم عليه اليأس ، أو القلق ، أقول له : «  تفاءل ، واستبشر خيراً ، واسأل الله من واسع فضله وإحسانه ، وتوكَّل عليه ، فمنه العون والسداد » .

ولا مانع من هذا كله أن تفكر إيجابيا فتخطط لمستقبل باهر ، مشرق ، مليء بالتفاؤل ، والإنجار ، فتنوي أن تعمل كذا وكذا من أفعال الخير التي يعود نفعها لك ولغيرك ، وهذا يجعلك تنتظر قدوم المستقبل بشوق ؛ لتنجز وتعمل وتتفاءل بالخير ، بدل التشاؤم ، وسوء الظن بالله جل جلاله .

كلنا نريد تحقيق السعادة ، وربما نبحث عنها جاهدين وهي قريبة منا ، وفي متناول أيدينا ..!.
كلنا يريد راحة البال ، والإطمئنان ، وهذا لن يتحقق طالما أقحمنا أنفسنا بالتفكير في ماض نعتبره أليم ، أو مستقبل نتوقعه مخيف ! .

 ثم ليس من اللائق أنْ تربط أي حدثٍ ماضٍ أليم بأنه مصدر تعاستك سابقاً وحاضراً ، فتكتوي بمرارة ألمه إلى هذه اللحظة ، والصحيح أنْ تنساه بكل تفاصيله ، وتأخذ منه عظة وعبرة ، ومن ثم تصحح مسار حياتك نحو الأفضل ، وتسأله سبحانه السداد والرشاد والعون ، ولقد  كان سيد البشر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم  -  يكثر من طلب العون من مولاه في دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة  : ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير  ) رواه مسلم .

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن يصلح حاضره ويجعله زياده له في كل خير ، كما سأل ربه أن يصلح مستقبله الأُخروي لينال بذلك خيري الدنيا والآخرة .

إذن حاضرك ، هو أَولى من ماضٍ طُويت أيامه ، وأَولى من مستقبل في علم علام الغيوب .

نصيحة : استمتع بكل دقيقة في حاضرك ، فيومك وليلتك كنزُ ثمين لن يُعوَّض ، فحافظ عليه ، بتقوية رصيدك الإيماني من مخزون الحسنات ؛ حتى ترجح كفة حسناتك على سيئاتك ، ولا تنسَ نصيبك من الدنيا في الحلال المُباح ، فمثلاً اقضِ بعض الوقت في نزهة جميلة مليئة بالمرح مع أسرتك ، أيضاً حافظ على لياقتك البدنية بممارسة التمارين الرياضية يومياً ، ولكي تُحافظ على صحتك النفسية توقّع خيراً ، واستبشر  خيراً ، وأحمد الله في السراء والضراء ، وبرمج نفسك على كيفية تخطي الصعاب والمشكلات بطريقة أساسها الإلتجاء إلى الله تعالى .

عِش حاضرك بالتفاؤل ، وحسن الظن بالله ، واعمل خيراً في يومك وليلتك ، اقلها أن تبتسم في وجه أخيك المسلم ، أو تُمِط الأذى عن الطريق .

أخيراً ، لا تتذمر من يومك ، لا تكثر الشكوى ، لا تيأس ، لا تكن غضوباً على أتفه الأمور ، بل كن صبوراً ، متسامحاً ، معطاءً ، بشوشاً ، محسناً إلى غيرك ، حبيباً إلى ربك .

                                         ✒️ سلمى الحربي