لحظة ودااااااع




تلك الطيور الصداحة حينما تطرب الكون ببلابل صوتها العذب عند طلوع الفجر الصادق ، تأنس أذنك لأنغام صوتها الجميل وهي تسبح الله بحمده .

تألفها وتألفك .... تنظر إليها وتنظر إليك...

تضفي جمالاً على تلك الأزهار الندية والرياحين الشذية في حديقة منزلك الجميلة .

بعد فترة تفتقد صوتها العذب المموسق...

تبحث عنها فلا تجدها ...

ثم تراها من بعييييد ضمن أسراب الطيور المهاجرة ، وكأنها تعلن لك عن موعد الرحيل والوداع الأخير .




وذاك المغرم والعاشق لبيت الله الحرام يسري في دمه حب البيت العتيق ، ويخفق قلبه كلما نادى : ( حيّ على الصلاة ) وحينما تطأ أقدامه ثرى مكة وتكتحل عيناه برؤية الكعبة الغراء يسري في روحه شذى الإيمان وتعانق دقات قلبه طهر الكعبة وجلالها.

يطوف حول حبيبته سبعاً ويسعى بين الصفا والمروة ، وإذا أجهده التعب والإعياء تناول شربة هنيئة من ماء زمزم .

وحينما يجلجل النداء في سماء مكة يتذكر عظيم أجر الصلاة بمائة ألف ،  فتهفو نفسه إلى جزيل العطاء .

لحظات سعيدة يعيشها عشاق بيت الله الحرام في أكناف البلد الأمين .

وهكذا تمر الأياااااام وتمرررر ، ثم تحين تلك اللحظة ، لحظة الودااااااع ..

لحظة توديع الكعبة المشرفة .... أقسى لحظة تمر على حبيب مع حبيبه ، حينها تنهمر الدموع ، وينكسر القلب ، ويفارق الأليف أليفه .




وحينما يلملم من أراد أن يهم بالسفر بقية متاعه ويحزم حقائب سفره الطويل ، ثم ينظر لمن حوله نظرة مودع ، عندها تتقطع القلوب وتنذرف الدموع تلو الدموع أسىً وحسرةً .

وحينما تتباعد الخطوات ، ويحين موعد الرحيل ، يودع المسافر من حوله بقلب أسيف وهو يردد : ( أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ).

بعدها لا تبقى في حنايا النفس سوى ذكريات جميلة ، وأشواق غامرة وحنين يتبعه حنين .




وعندما تتذكر معاني الصداقة ، وتسرح بفكرك إلى أيام الطفولة ، تتخيل تلك الصداقة التي توثقت عراها منذ الطفولة المبكرة ، وكبرت معانيها مع مرور الأيام والليالي حتى غدا الصديق ظلاً لصديقه ، وروحاً واحدة في جسد واحد .

وحينما تطاول البنيان وبزغ نجم الشباب وقوي عوده ، تناثر العقد وانحل ميثاق الصداقة ، حتى لم يبقَ من معانيها سوى ذكريات طفولة وبقايا أطلال.




عندما تطيف بك الذكريات ، تتذكر أقواماً تطيب الحياة بذكرهم ، وتأنس النفوس لشذى عطرهم .
أقواماً سطروا مفاخراً ونحتوا من الصخر أمجاداً رائعة .

كافحوا وناضلوا حتى لبسوا ثوب المجد ، ونشروا في الآفاق عبق هذا الدين الأغر .

ولما طوى الزمان الأيام طياً ، دقت ساعة الصفر وتمايل البنيان ، ثم حانت ساعة الرحيل من هذه الدنيا إلى عالم غير عالمنا .

الدنيا لا تثبت على حال فشروق الشمس وغروبها ، وتعاقب الليل والنهار ، وتصرم الأيام والليالي ، كلها شاهد نذير على أن الدنيا زائلة بكل ما فيها ، وما الحياة الدنيا إلا متاع ، وعرض فاني ولا يبقى إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام .

                                          ✒️ سلمى الحربي