كن من الشاكرين




قد أستنكر أنا وأنت عندما نقدم معروفاً لأحد فلا ينطق ولو بكلمة واحد تفرح القلب وتسر الخاطر!!!
 لكن لا نستنكر عندما نرى فلان من البشر مقصر في شكره لله جل جلاله ، هذا إن شكر الله يوماً ما !!.

لماذا نرى ذلك الجاحد لنعم الله تعالى يسرف في الشكوى ، ويتوغل في الجحود ، وكأن الله لم يكن به رؤوفاً رحيماً ؟ .

لماذا عندما يصب الله النعم لفلان صباً صباً ، ويحيطه بعنايته الإلهيه ، ويجزل له العطاء ، يكون جزاء تلك النعمة مبارزة الله بالمعاصي والإسراف على نفسه بالملذات المحرمة ؟.

لماذا عندما تأتي النعمة وتحيط بصاحبها ويرفل في ثوبها ينسى أن ينسب النعمة لمسديها ويتفاخر علانية بذكائه وجهده وخبرته ؟.

مَهْمَا ، ومهما، ومهما يكن من أمر ، يستحسن أن نغض الطرف عن هؤلاء الجاحدين ، ونيمم الآن وجهنا شطر كتاب الله لنلمس ضياء النور الرباني من خلال آياته البينات ، ثم نضع أيدينا على سورة يوسف ؛ لتحكي لنا قصة الشكر والحمد والثناء على لسان نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ الذي أوتي شطر الحسن والجمال ، وأوتي النبوة والحكمة ، فهو نبي ابن نبي ابن نبي ابن خليل الله ، أشرف الأنبياء من ناحية النسب ، ومع ذلك لم يدخل الكبر والخيلاء سويداء قلبه ، بل كان شاكراً لأنعمه ، مبجلاً له مثنياً عليه .

ولما توالت صنوف المحن والرزايا على النبي الشاكر يوسف ـ عليه السلام ـ مروراً بمكيدة اخوانه ورميه في البئر ليفقد بعدها أباه فيذوق ألم الفراق أربعون سنة لا يرى أباه ولا اخوانه ولا أهله ، ثم يأتي مشهد الفتنة على يد امرأة العزيز وهي تراود فتاها عن نفسه ، ثم ينتهي به المطاف إلى السجن فيلبث فيه بضع سنين ، ثم تنجلي المحنة وتنجلي فيملك بعد هذا العناء مصر بأسرها ويتصرف فيها كيفما يشاء .

وبعد ألم الفراق والسجن والعناء وبعد امتلاكه لعرش مصر ، وبعد هذه السنوات الطويلة تتحقق له النعمة الكبرى وهي اجتماع شمله بأبويه واخوته .

بعد هذا كله ، هل نتوقع من يوسف ـ عليه السلام ـ أن تنسيه غمرة حبه واشتياقه لأبويه وأهله أن يشكر ربه على جزيل نعمائه .؟! .

لقد حكى القرآن الكريم آيات الشكر والحمد لله وهي تنطلق من لسان يوسف ـ عليه السلام ـ اللسان الطاهر الذاكر لنعمه جل جلاله ، وها هو ذا يقول شاكراً لربه : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ) سورة يوسف آية 101 .

هكذا هو حال الشاكرين المتعلقين بربهم جل وعلا .

ويتجدد مشهد الشكر عند نبي الله سليمان ـ عليه السلام ـ عندما حدث له ذلك المشهد العجيب ، وهو حضور عرش بلقيس على ضخامته وجلالته في أقل من لمح البصر يراه أمامه رأي العين ، كل هذا لم يذهله عن شكر المنعم ، بل لهج بالشكر والثناء قائلاً : ( هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ) سورة النمل آية 40 .

وتتجلى جلائل الشكر ومحامد الصفات في شخص نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما يقف بين يدي الله في قيام الليل قائماً راكعاً ساجداً لله رب العالمين حتى تورمت قدماه ، ولما أشفقت عليه الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنها ـ أردفت قائلة : ( لِمَ تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فقال : ( أفلا أكون عبداً شكورا ) .

إن الشاكر الحامد لربه جل جلاله يشكر ربه على الدوام بقلبه عندما ينسب النعم إلى باريها ( وما بكم من نعمة فمن الله ) سورة النحل آية 53 .

ويشكره بلسانه عندما يلهج بالحمد والثناء لمسدي النعمة .

ويشكره بجوارحه عندما يستعين بها على مرضاة الله تعالى .

بملازمة الشكر على النعم تزداد العطايا وتتوالى الخيرات ويتبوأ الإنسان منازل رفيعة ، فمن رزق الشكر رزق الزيادة ، كما قال تعالى : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذاب لشديد ) سورة ابراهيم آية 7 .

قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ : ( عليكم بملازمة الشكر فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم ) .

إن الشاكرين هم قلة في الخلق ، فلا تتردد أبداً أن تكون مع هؤلاء الثلة القليلة المباركة ، قال تعالى وتقدس : ( وقليل من عبادي الشكور) سورة سبأ آية 13 .

اشكر الله على كل حال مهما صغرت في عينك النعمة ، فسيأتي اليوم ويزيدها ربك درجات ودرجات ببركة شكرك .

لا يغرنك كثرة الجاحدين لنعم الله فتنجرف معهم ، بل اشكر الله على الدوام ؛ لأن شكرك سيعود نفعه عليك ، كما أخبرنا ربنا بذلك حين قال في كتابه العزيز: ( ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد ) سورة لقمان آية 12.

اللهم ارزقنا شكرك ، وذكرك ، وحسن عبادتك .

آمييييييييين .....

                                       ✒️ سلمى الحربي