صور من بر الهنود بأمهاتهم

 


هذه الصور الحية التي رأيتها ، وأراها كثيراً تتكرر أمام عيني أثناء تجولي في الحرم المكي 🕋 لبر الهنود بأمهاتهم ، قصص تستحق الرواية ، والنشر ؛ لأن من بر بأمه يستحق أن نرفع قبعة الإحترام ، والإجلال لشخصه الكريم ، وقد امتثل وصية نبيه محمد ﷺ حين عظّم شأن الأم ، لما جاءه رجل وسأله : ( يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ فقال أمك ، ثم أمك ، ثم أمك ، ثم أبوك ) .

رأيتُ عجباً من بر الهنود بأمهاتهم ، ففي الحج رغم توافد الحجيج من كل بقاع العالم في مكه ، وتزاحمهم الشديد ، أرى الرجل الهندي يحمل أمه على ظهره ، ويطوف بها الكعبة سبعة أشواط ، وإذا انتهى من الطواف يذهب خلف مقام إبراهيم ، وينزل أمه من على ظهره ؛ لتصلي سُنة الطواف ركعتين ويصلي بجانبها ، وإذا فرغوا تدعوا أمه دعوات طويلة بدموع أحسب أنها قد فُتحت لها أبواب الجنة لبر ابنها بها ، وبعد الفراغ من الدعاء يذهب البار بأمه صوب ترامس ماء زمزم البارده ؛ ليسقى والدته بيده شربةً هنيئة من ماء زمزم المبارك ، هو يسقيها بيده ، ولا يسمح لها أن تمسك كأس الماء بيدها ، وبعد ذلك بقليل يحمل أمه على ظهره مرة أخرى ؛ ليتجه بها إلى المسعى الأرضي ، حيث توجد العربات اليدوية فيأخذ عربة ؛ ليسعى بها بنفسه ، ولا يسمح لموظف العربات أن يدف أمه ، فيعطيه أجرة العربة مقدماً ؛ ليهنأ قلبه ببر أمه وهي معه تسعى وتدعو له خالص الدعوات بالتوفيق في دنياه .
وحينما يسعى هو وأمه بين الصفا والمروة تتنزل عليهم الرحمات ، والروحانيات ، وأكاليل الفرح والبِشر تملأ محيا الإبن ، وهو يصطحب أمه لأطهر مكة على وجه الأرض 🕋 .
وبعد مشقة السعي بين الزحام في المسعى الأرضي الذي يكتظ بالأرواح المشرقه يأتي آخر شوط له في المسعى ، وفور انتهائه يُسلِّم العربة للموظف ، ويُعاود حمل أمه على ظهره ، ثم يُجلسها في مكان جانب المسعى لترتاح قليلاً ، فينظر لها نظرة المُشفق الحنون ، ثم يُقبل رجليها ويديها ويبكي بدموع مليئة بالبر والحنان ، وبعد ذلك الإرهاق والظمأ الشديد يسقيها من ماء زمزم المبارك ، وهكذا بر في بر ، وحُسن موده ورحمه لمن قال الله في حقهم : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) سورة الإسراء آية ٢٤  .

مشهد آخر رأيته حينما كنت أتجول في المسعى الأرضي رأيت رجلاً من الهند بلباس الإحرام وقد فرغ من السعي هو وأمه فجلس في طرف المسعى وصوره أخرى من أروع صور البر وهو يُكبس رجل والدته ويعاود التكبيس تلو التكبيس ، ثم إذا فرغ انتقل إلى تكبيس يديها وذراعها وكتوفها ، والإبتسامه تعلو ثغره الباسم ، وهو يُطيب خاطرها بأرق الكلمات .

وصورة أخرى لرجل من الهند أيضاً في ساحات الحرم وهو يُلقم أمه الطعام لقمه وراء أمه ، ويستلذ ببرها والإحسان إليها ، والهندي كما تعلمون وأعلم ، يعشق أكل البيك بالفلفل الحار وأنا أراهم ، الوجبات الثلاث بيك × بيك ، إفطار وغداء وعشاء ، ففي الساحات الخارجية من الحرم يستلذون بطعم البيك اللذيذ .
نعود الآن لصور من بر الهنود لأقول لكم : ( إنَّ من الجدير بالذكر ، أن هناك الكثير من العربات يمتلكها البار بأمه الهندي ، فهو يُنفق من ماله ؛ ليشتري من مكه عربة خاصه بأمه ؛ كي لا تتعب وهي تمشي ، فهو يتشرف ببرها ، وينقلها هنا وهناك داخل أروقة الحرم المكي ، ومصلياته ، والساحات الخارجية طوال مكوثه في مكه  ..

وبعد ،،، البر في كل مكان ، والبارون كُثر بحمد الله في كل مكان بالعالم الإسلامي ، وبحكم أني أرى جنسيات كثيره في الحرم فأرى الهندي يتفوق عليهم جميعاً ...
أجزم أن البرره كثيرون في عالمنا الإسلامي لكن البعض يبرها براً صامتاً فيُعبر عن بره لها : ( خذي هذه ٥٠٠ ريال مع أني مديون ، وادعي لي ، وإذا رآها مُتعبه قال لها : [ هل تريدين أن أذهب بك إلى المستشفى ؟ ] يستشيرها رجل الصحراء ! هل تريد أو لا تريد ؟! وبالطبع ستقول لا ، فيرتاح الأفندم من هَمّ أمه التي ربته وتعبت عليه ! والبعض يستثقل خدمتها ، وإذا تأخر على أصحابه قال لهم : ( المعذرة ، أشغلتنا العجوز ، أحسن الله خاتمتها ) ألا قاتل الله الجلافة في التعبير أيها العاق ! وإذا كان البعض فيه قليل من الحنان على أمه ، تستلمه أمه دون اخوانه في مشاويرها ؛ فينزعج الأخ ، ويتجرأ أحياناً فيقفل جواله ! ونِعم البر أيها الفتى !! ) .

مع احترامي الشديد لبعض المسلمين ، فهو يُفضل زوجته على أمه التي ربته وتعبت عليه ، وبعضهم يعقها ويُبالغ في عقوقها ، فلا يسأل عنها ، لا بإتصال ، ولا زيارة ، ولا تفقد حاجياتها إلا في النادر  !..

ألف تحيه ، ومزيد احترام ، لكل بار بأمه في العالم الإسلامي ، ولكل من كانت أمه من أولى الأوليات ، وأهم المهمات في حياته .

                                ✍️ سلمى الحربي
-