هل تشتكي من قلة البركة ؟




كثيراً ما تتردد هذه المقولة على الألسنة ، فالكل يشكو من قلة البركة في المال ، وقلة البركة في الأولاد ، وقلة البركة في الوقت ، وقلة البركة في الأعمال ، حتى المزارع قد يشكو من قلة البركة في محصوله رغم اتساع نطاق مزرعته وتنوع ثمارها .

لماذا قلت البركة في الأموال .... في الأولاد .... في الأوقات .... في الأعمال .... في كافة نواحي الحياة ؟!! .

ما السر وراء قلة البركة ، ولماذا كان أجدادنا وجداتنا ينعمون بأعلى درجات البركة في زمانهم رغم قلة ذوات اليد في ذلك العصر ، ونحن نشكو كثيراً من قلة البركة ؟!!.

في الحقيقة إن قلة البركة مرتبطة ارتباطاً كلياً بالمعاصي التي يرتكبها الإنسان ، وكما ورد عن بعض الصالحين : ( إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وزوجتي ) .

إن الأوائل من عباد الله الصالحين كلما حلت به نائبة ، أو تعثرت به دابة بدؤوا يتفقدون ذنوبهم ، ويراجعون حساباتهم ، ويستغفرون مما اقترفته أيديهم .

وهذا الإمام الشافعي لما شكا إلى وكيع سوء حفظه أرشده إلى ترك المعاصي :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نــــــــــور
 ونور الله لا يُهدى لعــاصــــي

أما الذي يشكو من قلة البركة في المال ، هل سأل نفسه كيف أدى عمله ، هل أداه بإتقان وأمانة وراقب الله في عمله سراً وعلانية محتسباً الأجر عند الله ، ثم هذا المال ، هل اكتسبه بطريق الحلال ، وهل صرفه فيما يرضي الله تعالى ، وهل أدى حق الله فيه من زكاة وصدقة وإنفاق ، وهل كان الإسراف والبطر والبذخ يحتل مكانة في هذا المال؟!!! .

إن كثرة المال ليست دليلاً واضحاً على البركة ، فكم من مال قليل حلت فيه أنواع البركات ، وكم من مال كثير انتزعت منه البركة انتزاعاً .

كذلك الذي يشكو من قلة البركة في الوقت ، هل يا ترى صرف وقته الذي هو أنفاس لا تعود ، هل صرفه في طاعة الله واستغل دقائقه الثمينة فيما يعود عليه بالنفع والفائدة ، أم أهدر وقته في سفاسف الأمور .

إن أعلى درجات البركة في الوقت ، هي تلك الساعات الباكرة من الصباح ، وأصدق شاهد على ذلك قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) رواه ابن ماجه.

ومع الكسل والنوم الطويل وعدم تنظيم الوقت تحدث الفوضى وتقل البركة ، بل تنعدم تماماً في مدارج الوقت .

أما الذي يشكو من قلة البركة في أولاده فقد يكون هو السبب في ذلك ، بعدم تنشئتهم منذ نعومة أظفارهم على تحمل المسؤولية ، والإنغماس بهم في أوحال الترف والرفاهية والتدليل الزائد ، أضف إلى ذلك عدم غرس مكارم الأخلاق في نفوسهم والترقي بهم إلى معالي الأمور ، ولقد صدق وبر الذي قال :

وينشأ ناشئ الفتيان منــا
 على ما كان عوده أبوه

ومادام الفتى بحجىً ولكن
  يعوده التدين أقربــوه

وهاهم عباد الله الصالحين يبتهلون بالدعاء قبل حصول الذرية أن يهبهم الله قرة أعين لهم ، كما قال تعالى : (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) سورة الفرقان آية 74 .

وقد تقل بركات الأرض وهي الأمطار فيحصل الجذب والقحط وترتفع الأيدي إلى الله في صلاة الإستسقاء ، ومع ذلك يمنع الله عنا القطر بسبب اجتراحنا السيئات ، وتطاولنا على ذات الله بالذنوب والمعاصي ، كما قال تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) سورة الأعراف آية 96 .

كذلك نزعت البركة من صحة أجسادنا حتى تكاثرت الأمراض يوماً بعد يوم ، وحلت فينا أنواع الأسقام التي ما سمعنا بها في آبائنا الأولين ، كل ذلك بذوبنا ومعاصينا والشاهد على ذلك قول رسولنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ) رواه ابن ماجه .

خلاصة القول : إن هذه النعم التي نتقلب فيها ليل نهار ، تتطلب منا دوام الشكر ، والشكر يحصل من خلال تطويع هذه النعم في مرضاة الله تعالى ، وعدم جحود النعمة ، أو الإنزلاق بها في مهاوي الرذيلة .

قال الشــــــــــاعر :
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن الذنوب تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العبـاد
 فرب العباد سريــع النقم

                                       ✒️ سلمى الحربي