لكل إنسان لغته الخاصة به ، يعبر فيها عما يدور في خلده ، وتلعب نوعية الألفاظ دوراً كبيراً في إلقاء الضوء على تصنيف قائلها ؛ فهناك لغة متفائلة لشخص متفائل ، ولغة متشائمة لمتشائم ، ولغة محبطة ، وأخرى يائسة ، تعبر عما يدور في حنايا النفوس . !
هل مررت يوماً ما بمجالس يتكىء فيها ذاك الذي ملأ جوانب المكان ، وقد نصَّب نفسه محللاً سياسياً ، واقتصادياً ، وشرعياً في آنٍ واحد ، وإذا بأحاديثه تفوح منها رائحة اليأس والإحباط ، فتنقلك بدورها إلى سراديب مظلمة ، وقفار موحشة ، ومستنقعات آسنة ، لن تجنِ من ورائها إلا القلق والإكتئاب .. !
هذا جانب ، وجانب آخر ، وأنت في الصباح كعادتك تتصفح صحيفة يومية ، وترتشف كوباً من القهوة ، ومع تقليب عناوين بعض الصحف قد ينتابك نوع من الإحباط ، فتَسوَد الدنيا في عينيك ، أو تظلم تماماً ، ثم لا تلبث إلا أن تردد في نفسك : ( اللهم آجرنا في مصائبنا ، واخلفنا خيراً منها ) !! .
ولا غرو في ذلك ، ولا ملام علينا ؛ فبعض المواضيع في تلك الصحيفة لا تخلو من : ( يأس .. إحباط .. توتر .. قلق .. قتل ومقتول .. نكد في نكد ) ، وكأنَّ الله حرَّم على بعض الأقلام الكلمة الطيبة ، واللغة المتفائلة ..!! .
وإذا جئت يوماً ما أمام التلفاز ، وأمسكت بيدك جهاز الريموت كونترول ، وقلَّبتَ جملةً من القنوات لتصل إلى مرماك نحو قناة إخبارية تستشف من خلالها أوضاع العالم الإسلامي ، صدِّقني ، وأُقسم برب البيت ، بعد دقائق قليلة من المشاهد الدموية التي رأيتها بأم عينك ، ستنهار معنوياتك إلى أسفل سافلين ، ثم بعدها سيقشعر جسدك ، ثم لا تملك إلا أن تُحوقل ، وتبتلع بعدها مسكناً للآلام النفسية ، وربما حتى العضوية . !
تتعمد بعض القنوات الإخبارية على تصيّد ، فقط لاغير ، الأخبار المؤلمة ، والأحداث المبكية ، والتقارير المحزنة ، فهي تُشعرك بلغتها اليائسة المحبطة ، وكأنّ العالم غرق بالطوفان ، فما عاد هناك بصيص أمل يبشر بخير .. !!
وقِس على ذلك ما يحدث في وسائل التواصل الإجتماعي ، فهناك بعض الحسابات لو استمريت في متابعتها ، فلن تجنِ سوى الإكتئاب والقلق النفسي ، أضف إلى ذلك أن هناك حسابات هي الدمار بحد ذاته ، تنفث السم الزعاف ، فتُؤجج الطائفية ، وتعمل على تفكيك وحدة الأمة الإسلامية ، وتسعى لزرع الفتن ، والقلاقل ؛ لتُحدث في أوساطنا الإحباط المدلهم ، واليأس من الواقع والحياة بأكملها . !
لماذا - يا أحبتنا - يتعمد الواحد أن يحيط نفسه بلغة محبطة يائسة متشائمة ؟ ، ولماذا يسمح لغيره أن يحبطه ، فيدمر ذاته ومن حوله .. ؟! .
الدنيا بكل تفاصيلها ليست شراً محضاً ، وجحيماً أسودا ، بل لا يزال الخير في أمتي ، وذلك الخير يحتاج لنقل تلك الصورة الإيجابية للمُشاهد ، والقارئ ، والمستمع .
تفاءل ، واستبشِر خيراً ، ودع عنك اللغة المحبطة ، فَوَالله بقدر تفكيرك الإيجابي ، سينصلح حالك ، وحال من حولك .
انظر بعينك نظرة شمولية ، ولا تقتصر على جانب مظلم ، فالذي خلق الظلام ، هو نفسه خلق الضياء .
أقترح ، لكن بحلول واقعية تروي الظمآن ، وتبث الروح في جسد الحياة .
انقد ، لكن بلغة راقية ، بعيدة عن اللفظ الجارح ، والكلمة النابية .
فضفض ، لكن برويّة ، أملاً في حلول جذرية ، وليس لمجرد الشكوى .! .
ألفاظك هي عنوان شخصيتك ، فكن مؤدباً في منطقك ، تنتقي أطايب الكلام ، كما يُنتقى أطايب الثمر .
رجاءً .. رجاءً .. رجاءً ، دعوا عنكم لغة اليأس والإحباط ، وانقلوا للعالم صور مُشرقة مُشَرِّفه ، تدخل السرور على من حولك .
نعم ، هي موجودة تلك اللغة المتفائلة ، لكنها تحتاج لزيادة أعداد بشرية تلتقط للعالم أروع الصور ، لتقول لنا : ( أبشروا ، فلا زالت الدنيا بخير ) .
وفي الختام ، أود التنبيه أننا جزء من أمتنا الجريحة المكلومة ، نتألم لمصابها ، ونكتوي بجراحها ، لكن هذا لا يعني أن يدخل اليأس أو الإحباط إلى قلوبنا ، فنعلن مراسيم العزاء المؤبد لأمتنا !! .
نعم ، الواقع مُؤلم ، لكن نحتاج لتخفيف مصاب المضطهدين ومواساتهم لا أن نزيدهم احباط ، ولا أن نتشمت بهم ! .
نحتاج لمساندتهم مادياً ومعنوياً .
نحتاج نحن وهم ألا نيأس مهما اسودّ وجه الكون ، ففي البلايا مِنح ، ورُبَّ بلاءٍ أوصلك بقوة صبرك ، وإيمانك إلى أعالي الجنان .
دُونكم شاعر فلسطين رغم الألم ، والمعاناة يتفاءل قائلاً :
معاذ الله أن يدرك اليأس عزمتي
ولي أملٌ في الضائقات فسيح
إذا اسودَّ ليلٌ فالصباح منورٌ
أو اربدَّ غيمٌ فالربيع صبيح
وذو الهدف الأسمى يرى الشوك دونه
وروداً شذاها بالرجاء يفوح
سأحيا على رغم النوائب شامخاً
كما شمخت فوق الجبال صروح
ولن يرخص التشريد من حر جوهري
فما هان تربٌ في التراب طريح
ترقَّبْ غداً فالنصر ينساب من غدٍ
ونور المنى في حافتيه يلوح
✒️ سلمى الحربي