مساكن من نوع آخر ..!




ربما تكون بعض المساكن مماثلة لفنادق خمس نجوم من حيث المظهر الخارجي ، والأُبهة في اختيار الأثاث ، والتفنن في المطعم والمشرب ، وهذا شيء جيد ، لكن ، هل تعتقدون أنَّ هذا يكفي وحده ؟!! ..

هناك مساكن يقطنها أفراد كثيرون ، فهي فقط صالحة للنوم ، والأكل ، والشرب ، وفاقده لباقي مكونات المسكن الهنيء ، من حيث المودة ، والرحمة ، والتآلف بين أفراد الأسرة الواحدة . !

ربما لا يجتمع هؤلاء الأفراد الذين يسكنون  تحت سقف واحد ، ولو لمرة واحدة على طعام واحد ، فلا يرى الأب أبناءه إلا ما ندر ، على الرغم بأنهم في بيت واحد ؛ لإنشغاله بتجارته ، وسفراته المتواصلة ، أو بأي أعمال أخرى تجعله يذهب وهم نيام ، ويعود وهم كذلك ..! .

أما الأم فهي الأخرى تخلت عن واجباتها وألقت بالمسؤولية على الخادمة في كل شيء ، حتى الأولاد تركتهم ألعوبة في أيدي الخادمات ، وانصرفت هي خارج البيت تبحث عن وسائل التسلية من اجتماعات ليس لها هدف غير ضياع الأوقات ، والهروب من المسؤولية في البيت ..! .

لو وقَفْتَ هنا قليلاً وسألتَ أحد الوالدين أو كلاهما عن مصير مسكنهما ؟؟!! .
سيردان على الفور : ( للبيت ربٌ يحميه ! ) متناسين أن السفينة لو بقيت بلا ربان حتماً ستغرق هي وركابها ..!! .

وفي وسط هذه المعمعة - بالطبع - سينشأ الأبناء بلا رقيب ، ولا حسيب ، فالكل يفعل ما بدا له ، طالما أنه ليس هناك مبدأ ولا قانون يحكمهم ، ويوجه سلوكياتهم المعوجة ! .

 وفي هذه الظروف العصيبة تكون الفرصة مُهيَّأة لإنحراف الأبناء ، أو الإنجراف بهم خلف غثاء السَّفه الإعلامي ، وأصدق دليل هو وجود ذاك الكم الهائل من القنوات الهابطة في كل زاوية من البيت ، يتبعها في ذلك شبكة الانترنت المفتوحة على مصراعيها والتي فعلت في شبابنا ، وأطفالنا ما لم تفعله القنبلة الذرية ، ولا الصاروخ ، والدبابة ، كل ذلك في ظل غياب الوعي الأسري ! .

لم يكتفِ تساهل الأبوين عند هذا الحد ، بل فتحوا الباب على مصراعيه ، وجعلوا الدخول والخروج حرية شخصية سواء أكان للذكور أم الإناث  بلا رقيب ، ولا حسيب ! ..

وهكذا تُرك البيت مسرحاً للفوضى فعشَّشَت فيه خفافيش الظلام ، وتمايلت أركانه ، وبناء على ذلك سيشعر كل من بداخله بالحرمان العاطفي ، الذي من ثمراته العاجلة انحراف الأبناء وتمردهم على كل القيم والمبادئ ..!! .

كم من البيوت تئن ، وتشتكي ، وتصرخ من الشقاق والنزاعات ، فلا تكاد تمر ساعة من نهار إلا وتبدأ الحرب الضروس أمام سمع الأبناء ، وأبصارهم ، ويوماً بعد يوم تزداد الفجوة بين أفراد الأسرة ، وبالطبع أول من سيجني ثمرة الشِقاق هم الأبناء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله !! .

للأسف ثلة غير قليلة من المتزوجين تزوجوا ليُقال أنهم تزوجوا فقط دون أن يكون هناك إعداد مسبق لتحمل المسؤولية !! .

وإذا كانت الأم بالذات ، وهي الركيزة الأساسية في الأسرة لم تكن مُعَدّة إعدادا جيداً لإدارة أسرتها ، فلا تسأل حينئذٍ ما بال هذا الجيل الضائع ! ، ولا تلمه في ضياعه ؛ لأن من أشرفت على تربيته فاقده لكل معاني الأمومة الحقه ....!! ، وكذا الأب المتساهل ، والذي هو قدوة سيئة لأولاده ، ينطبق عليه قول القائل :
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا"
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

                                         ✒️ سلمى الحربي