رفقا بالضعفـــــــــــاء ...!



قد يكون الضعيف بشر مثلي ومثلكم لا يفترق عنا بشيء سوى أنه يفترش الأرض ويلتحف السماء ، وقد لا يفترق عنا سوى أنه لا يجد لقمة يسد بها رمقه .. 

وقد يكون الضعيف شخصا فقيرا تغرب عن أولاده ، وأسرته ، ووطنه ، ترك هؤلاء جميعاً ، وودعهم على أمل أن يبني لهم مصدر رزق يؤويهم ، ويسد ظمأهم ، وشظف عيشهم ، ترك أطفاله الصغار ، ولم ينسَ لحظة توديعهم إياه بدمع مدرار ، ودعهم وهو يلوح بيده (وداعاً) وقلبه يتمزق لفراقهم ، لكن ما باليد حيلة ! .

 و من الضعفاء من يكون خادماً عندك ، أو خادمة ، أو سائق ، أو عامل ، دعته الحاجة والعوز والفقر المدقع إلى أن يكون أجيراً عندك ،  فهو يعمل كلال الليل بكلال النهار ، منذ أن تبزغ الشمس ، وحتى يرخي الليل سدوله ، يعمل وينتظر بفارغ الصبر انقضاء الشهر حتى ينعم بأول قطفة من مال حلال يقبضه بعد جهد شاق .

وها هو ذا ينتظر الشهر والشهرين والثلاثة ، ولم يقبض إلى الآن أجره ، وإذا تجرأ وطالب ببعض حقوقه انهالت عليه المماطلات من كل مكان ، فما يلبث المسكين إلا أن يتجرع الغصص أملا" في البقاء عند مكفوله ، لعل وعسى أن يلين قلبه الذي غدا كالحجارة أو أشد قسوة ! .

لقد كان الأجير يردد في نفسه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه !! ) لكن من يسمع ومن يجيب ؟ .

فعلا" قد تجد أناسا" بأجساد ، ولكنها مجردة من المشاعر والأحاسيس ، مجردة من كل معاني الإنسانية ، فلا يكفي عندهم بخس أجر الأجير ، بل لربما ازداد الحال سوءاً حتى تحول ذاك الضعيف عندهم إلى آلة تعمل ليل نهار دون انقطاع ، فلا وقت لديه للراحة سوى سويعات قليلة ينام فيها ، ثم يصحو ليكمل مسيرة يوم شاق .

 ولا أقل من حظ هذا ، إلا تلك الخادمة المسكينة التي استقدمت على أنها خادمة ، ثم وجدت نفسها إلى جانب الخدمة تعمل مربية ، بل بديلة عن أم تجردت من كل معاني الأمومة . !

لم تكتفِ الخادمة بأعمال منزليه مضنية ، بل أرغمت على تحمل مسؤولية الأولاد ، فهي التي تعد لهم الطعام و تطعمهم ، وهي التي توقظهم للمدارس ، وهي التي تتولى تنويم صغارهم ، وهي التي تبدل ملابسهم ، وهي التي تسهر على راحة مريضهم ، وهي كل شيء في حياة الأولاد .

كل هذه الأعمال لو ألقيت على جبل لانهد من مكانه !! .

الرحمة الرحمة ، بهؤلاء الضعفاء الذين لا حيلة لهم سوى الرضوخ والسمع والطاعة .

هؤلاء بشر لهم طاقة استيعابية لا تتجاوز حداً معيناً ، ومن حقهم أخذ فترة استجمام ! .

وأمام هذه الجهود المضنية والأعمال الشاقة قد لا يجد الأجير معاملة حسنة ولا يكاد يسمع كلمة طيبة تعوضه مرارة العمل الشاق ، ولربما حدث تقصير منه أمام هذا الضغط الهائل من الأعمال الجبارة ، فتكون ردة فعل مكفوله الشتم ، والسب ، واللعن ، ولربما امتدت يده عليه بالضرب المبرح ! .

إن في المدرسة المحمدية رحمات تتلوها رحمات ، حتى وسعت رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل شيء ، ولذلك أثنى عليه ربه حين قال : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم) !

وفي ظل الإسلام تجاوزت الرحمة الإنسان حتى وصلت إلى الرفق والرحمة بالحيوان الذي لا ينطق فكيف بالإنسان الذي كرمه ربه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا .

لقد حرم الإسلام تجويع الحيوان وتعريضه للضعف وتكليفه من الأعمال فوق طاقته ، ولا أدل على ذلك من قصة الجمل الذي جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبرك أمامه ، ثم ذرفت عيناه ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من صاحب هذا الجمل ؟ ) فجاء صاحبه فإذا هو فتى من الأنصار ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم : ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك إياها ؟ أحسن إليه فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتتعبه من كثرة العمل !! رواه أحمد وأبو داود .

ما أجمل أن يمتن الله على العبد فيعطيه قلباً رحيماً حنونا" عطوفا"شفوقاً على الخلق أجمعين وخصوصاً الضعفاء .

ما أجمل أن تكون الرحمة والرفق دليلا" على نبل أخلاقنا وسمو مكارمنا وجبلة جبلنا الله عليها .

الرحمة خلق رفيع وسلوك متحضر يصدر من شخص قد امتلأ قلبه شفقة وحنانا"على كل البشر بما فيهم الضعفاء ، وإذا أردت حقا" أن تعرف معدن وجوهر أي شخص فانظر إليه كيف يتعامل مع الضعفاء ، وستعرف من هو حق المعرفة  . 

ومن بين الضعفاء إخوانا" لنا مسلمين تجدهم في بلاد مكسورة الجناح ، مهيضة الجانب ، لا يجدون لهم ناصرا"، ولا ملجأ إلا الله ، مستضعفين في كل مكان ، رملت نسائهم ، ويتمت أطفالهم ، وسفكت دمائهم ، وهدمت بيوتهم ، وشردت أسرهم ؛ حتى ذاقوا كل ألوان البؤس والشقاء في الوقت الذي نزعت فيه الرحمة من قلوب كنا نحسبها رحيمة فإذا بها تسقي اخواننا كؤوس الشقاء .

ومن بين الضعفاء اثنان حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إكرامهما ، بل ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما فقال : ( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ) رواه النسائي ، فاليتيم قد ضمن - عليه الصلاة والسلام  - من أحسن إليه وكفله بهذا العطاء الرباني الذي سطره هذا الحديث النبوي : (  أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابه والوسطى ) ، كما أن إكرام المرأة من شيم الكرام ، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أكمل المؤمنين إيمانا" أحسنهم خلقا" وخياركم خياركم لنسائهم ) .

لقد نطق ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأحاديث نبوية هي غاية في الحث على  الرفق والرحمة ، وها هو ذا يقول : ( إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق ) ، وقال لعائشة ـ رضي الله عنها  : ( من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من خير الدنيا والآخرة ) .

اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ... أنت الرحيم الرحمن الودود ... أنزل من عندك علينا رحمة تشملنا وتغنينا بها عن رحمة من سواك يا أرحم الراحمين .
 
                                         ✒️ سلمى الحربي
..