أزمة تطبيق .. !



الله تعالى أنزل علينا القرآن ، وأرسل لنا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هادياً ومبشراً ونذيراً ، ووعدنا - سبحانه - بالحياة الطيبه في الدنيا ؛ نظير طاعته وامتثال أمره : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) سورة النحل آية (٩٧) ، ليس ذلك فحسب ؛ بل وعدنا بجنات النعيم في الآخره : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) سورة الكهف آية (١٠٧) .

في أيدينا قرآن نقلب صفحاته ، وسنه نقرأ ضياء سطورها ؛ لا لنقول للناس : ( نحن حفظنا كتابه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم) !!!! .

قرآن ربي ، والسنه النبويه ، حياة ، ونجاة ، ومنهج سديد ، وسعادة دنيوية وأخروية ، وبلسم ، وشفاء للعليل .

لكن هناك من عميت بصيرته ، وقسى قلبه ؛ فأدار ظهره للحبل المتين ، والنهج القويم ، والصراط المستقيم .

من الناس من يسمع الخطب والمواعظ تهتز لها  المنابر خشية وخضوعاً ، ومع ذلك قلبه كالحجارة أو أشد قسوة !! .

من الناس من يسمع آيات الله تتلى ، فتقرع سمعه و لو نزلت على جبل لانهد من مكانه ، ومع ذلك في أذنيه وقرا ، وفي عينيه غشاوة !! .

من الناس من تمر الجنائز أمام عينه ، ويصلي عليها ويتبع سيرها ، ويشيعها فلا يرق قلبه ، ولا تدمع عينه ، ولا يهتز كيانه !! .

وآخرون يصطفون في الصف الأول لصلاة الجمعه وتقرع الخطبه مسامعهم ، ويهتز لها محراب المسجد ، فلا يسمعون ولا يعون ، ولو سمعوا ما استجابوا !!.

وأصناف تفقهت في دقائق الحلال والحرام ؛ لتعلم الناس أمور دينهم ؛ لكسب المعاش ! لا للوقوف عند حرام أو حلال ، وكأن ما تعلموه لا يخاطبهم !! .

وطائفة أخرى يحفظون كلام الله عن ظهر قلب ، فلا يجاوز تراقيهم ولا تتعدى حروفه حناجرهم !! .

نحن نعيش أزمة تطبيق !! حيث نقرأ كلام الله جل جلاله ولا نطبق !!! ونسمع أحاديث خير البشر - صلى الله عليه وسلم - وأيضاً لا نطبق !!!  .. والبعض يطبق ما اشتهت نفسه وما كرهته أعرض عنه ، وكأن القرآن والسنه بضائع معروضه : (اختر ما تشاء ودع ماتشاء ) .

لا يحل لمسلم رضي بالله رباً ، وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولاً أن يُعرض عن أنوار القرآن والسنه النبوية ، أو يحتكم لغير حكمهما : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهما الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا )سورة الأحزاب آية ٣٦.

ولو رجعنا للرعيل الأول ، ذاك الزمن المجيد نجد أنهم كانوا وقافين عند حدود الله ، فما أن تنزل آيات الله حتى يهتفوا بلسان واحد :(سمعنا وأطعنا) .

لقد كان صحابة - رسول الله صلى الله عليه وسلم - سريعي الإمتثال لأوامر مولاهم ، رقيقي القلب فمنهم ، من يقرأ القرآن فيخر مغشياً عليه ، أو يتلوه فيسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل .

لمَّا نقرأ سيرة هؤلاء العظماء ، وتدمع عيوننا ذهولاً مما قرأناه ؛ نشعر أننا مُسخنا خلقاً آخر ! مع أن القرآن يخاطبنا جميعاً نحن وهم بنفس اللغة !!! .

الله تعالى يخاطبنا :( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )  فما جاء به الله ورسوله - عليه الصلاه والسلام - حياة لقلوبنا الميتة ، ومنهاج حياة ، نسير على خطاه ، فما من خير إلا وأرشدنا له ، وما من شر إلا حذرنا عنه ، فهل بعد هذا دليل أوضح على أن الفلاح والنجاة والحياة الطيبة في كتاب غير هذا القرآن وغير هدي النبي صلى الله عليه وسلم ؟!! .

نحن جميعاً نتنافس في رمضان ، كم ختمة ختمنا ؟!
لكن هل سألنا أنفسنا ؟ هل وقفنا عند حدود الله وحلاله وحرامه ؟ وهل هزتنا آياته ، فدمعت منها العيون ، وخشعت منها القلوب ؛ فامتثلنا لمحكم كتابه وقلنا :( سمعنا وأطعنا ) ؟! .

هؤلاء الذين لم يستجيبوا لله ، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - هم ممن ألهتهم أموالهم ، وأولادهم ، وزوجاتهم ، فتكالبوا على حظوظ الدنيا الزائفه ، وأطاعوا هوى أنفسهم ، ووسوس لهم الشيطان ؛ فزين لهم سوء أعمالهم ؛ فقست قلوبهم وصدوا عن ينابيع الكتاب والسنه ، فما عاد في القلب متسع إلا لبريق دنيا خادعه خدعتهم ، فما عادوا يفرقون بين الأبيض والأسود ؛ بل نسوا الله فأنساهم أنفسهم :( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) سورة الحشر آيه ( ١٩) .

غداً في الآخرة سيندمون  ويقولون بحسرة وبألم  وبمرارة :( يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول ) .
غداً في الآخرة لن تنفعهم دنياهم ، ولا أولادهم ، ولا أموالهم ، و لا مناصبهم !!! ...
غداً في الآخرة ، لن ينفعهم إلا الامتثال لله ورسوله فهما الزاد ليوم المعاد ، وهما النجاة والمفتاح لدخول جنات النعيم ، والفوز الأبدي في دار الخلود .

                                          ✒️ سلمى الحربي
...