نحن لا ندرك ما وراء حُجب الغيب من خير ، حتى لو بدا لنا في ظاهر الأمر أنه شر ، سينزاح الستار وينكشف الغطاء ، وسنرى الخير كل الخير فيما اختاره الله .
خيرة الله أجمل من كل ما تمنينا و رُب تأخير ، أو فقد ، أو منع ، أو حرمان ، نظنه لأول وهله شرٌ لنا ، فتأتي الآية الكريمه لتحسم لنا الأمر :( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) سورة البقرة آية ٢١٦ .
الله تعالى أرحم بنا من أمهاتنا اللاتي ولدننا ، ولو كُشف لنا الغيب لما اخترنا إلا ما اختاره الله لنا ، فهو كريم يعطي بلا حساب ، ويجود بلا حدود ، وهو أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين .
صبراً يا نفس على ما لم نُحط به خُبرا ، وحسنَ ظنٍ بالله على قادمٍ أجمل ، وصِدقَ توكلٍ على من بيده خزائن السماوات والأرض .
منع الله عطاء ، ولطف رباني ، فهو يمنع ليعطيك الأفضل ، أو يمنع ليصرف عنك سوءاً ، ثم يعوضك بالأجمل ، أو يمنع ليرفع درجتك في الجنة ويعلي منزلتك .
أذكر إني قرأتُ قصة لأحد العلماء كان يعمل فلاحاً في صباه في مزرعه ، فالتقى به عالم متفقه في الدين ، ولمح منه ذكاءً وفطنه ، فاستأذن من أبيه أن يعلمه فقه القرآن والسنه ، فرفض أبوه لحاجته له في العمل ، ثم حاول العالِم مره أخرى أن يقنعه فاقتنع ، ومن هنا بدأ مشوار تعليمه حتى صار عالماً من علماء الأمه يشار إليه بالبنان ، إنه العالم الجليل : ( ابن عثيمين رحمه الله) ومن علّمه هو العالِم الفذ :( ابن سعدي رحمه الله) ...
خيرة الله كان تحمل لشيخنا الجليل بشائر أحيت أُمة من غفلتها ، وإلى الآن يرجع لفتاواه ملايين المسلمين .
الله سبحانه وتعالى هو أعلم بما يصلح حالنا ، وهو الذي يدبر الكون وفق حكمته ومشيئته ، فعندما نرضى بما قسمه الله لنا ، سندرك تماماً أننا أمام عادل لا يظلم مثقال ذرة ، وأمام رحيم وسعت رحمته كل شيء .
ارضَ بما قسم الله لك ، فلا تتذمر ، ولا تتشكى ، واعلم أن الأيام كفيله لتريك ما خبأه الله لك من خير ، ثم ترى بعينك أن الخير كل الخير فيما اختاره الله لك .
واعلم أن الدنيا دار ابتلاء ، وليست دار أفراح ومسرات ، فالمؤمن مهما ابتلي فهو راض ٍ عن الله ويعلم أن العاقبة للمتقين ؛ فهذا شيخ الإسلام - ابن تيميه - رحمه الله ، أُوذي ، وعُذب ، وظُلم ، وسُجن ، وطُرد من بلده ، فما تذمر ، ولا يئس ، بل قال قولته المشهورة :
ما يفعل بي أعدائي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، أنّى سرت فهي معي لا تفارقني.
أنا حبسي خلوت ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة .
أرأيتم كيف يرى بعين المؤمن أنَّ المنع عطاء ، وأن ما أصابه خيرٌ له .
لقد صبر ، وكافح طوال حياته ، فلم يسمع كلمة شُكر أو ثناء ، ولم يحظى بإجلال العلماء في عصره ، ولما مات رفع الله ذِكره في العالمين ، فلا تذكره الألسنة إلا :( بشيخ الإسلام ) ابن تيميه، ولا تُصدر كتبه إلا :( بشيخ الإسلام) ، وأكثر الكتب قبولاً في الأرض ومرجع للعلماء والفقهاء هي كتب : ( شيخ الإسلام) ابن تيميه رحمه الله .
✒️ سلمى الحربي
...