لست أعني بالقوة في مقالي هذا هي : أن تكون مفتول العضلات تحمل الأثقال ، أو أن تكون من ذوي الأوزان الثقيلة ، أو من أولئك الذين إذا غضبوا أرعدوا وأزبدوا فعلت أصواتهم فخشي الناس سطوتهم ، ولا أقصد أيضاً أن تكون مهيب الجانب بأي شكل من الأشكال .
ما أقصده هي قوة لا تحتاج إلى عضلات ، ولا رفع أثقال ، ولا إلى تعالي أصوات ..
أقصد هنا : القوة الذاتية التى تجعلك كبيراّ في عين مولاك جل جلاله ؛ وكبيراً في عين ذاتك ، وعين العقلاء ؛ فتكون قادراّ على كبح جماح نفسك ؛ فإذا احتدم النزاع بينك وبين خصمك ملكت زمام غضبك فلم تسمح لهوى نفسك بحب الإنتقام متأسياّ بوصية نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قال :( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه مسلم ، وهذا الصنف القوي له مكافأة إلهيه جليله يجسدها هذا الحديت النبوي :( من كظم غيضاّ وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامه حتى يخيره من أي الحور العين ما شاء ) صحيح الترغيب .
وقوة أخرى من نوع آخر تجعلك تستقوي على شيطان نفسك فتذله وتقهره وتبرز أمامه قوتك الحقيقية لتفوز برضا ربك فتكون من ثلة أولئك الذين امتدحهم الله حين قال : ( والعافين عن الناس ) وفي موضع آخر :( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) سورة الشورى آية ٣٧ .
ليس سهلاً أن تعفو وتصفح عمن آذاك أو قهرك أو ظلمك ، لكن لمَّا تتذكر مزيداً من الغفران من لدن رب كريم تستجمع قواك ؛ فتهون عليك أذية من آذاك فور سماعك قول الباري جل جلاله :( وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) سورة النور آيه ٢٢ .
ومن أنواع القوة الحقيقيه التي تحتاج إلى مجاهدة النفس واحتمال مزيداً من العنت والنّصَب أن تقابل من يقطع رحمه بالوصل حينما تصلهم ويقطعونك وتحسن إليهم ويسيؤون إليك ؛ فأنت هنا تستمد قوتك من كتاب ربك حينما تعلم علماً أن في كتابه سبحانه آيه تزلزل كيانك ، وتقرع سمعك ، فيقشعر لها جسدك وأنت تتلو :(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) سورة محمد آيه (٢٢ ، ٢٣) .
وقد يفهم البعض أن العفو ، والتسامح ، وكظم الغيض ، وصلة الرحم مع قطعهم إياك غاية في الذل والضعف والمسكنه فينعتونك بضعيف الشخصية مسلوب الإرادة ، أما من ياخذ حقه ويرد لغيره الصاع صاعين فهو القوي !!! ، والصواب أن رضا ربك مقدم على رضا المخلوقين ؛ فمن امتثل أمر ربه وانتصر على شيطانه ، وهوى نفسه فهو القوي حقاً ، ومن أطاع شيطانه ، وغلبته نفسه فهو الضعيف حقاً .
نحن أقوياء بكتاب الله وبسنة -رسول الله صلى الله عليه وسلم - نستمد منهما قوتنا ، ومن صد عنهما فهو الضعيف ابن الضعفاء ، وكلا الفريقين سطر القرآن شأنهما حين قال :( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى ) سورة طه آيه ( ١٢٢، ١٢٣) .
✒️ سلمى الحربي
...