تناغم الأرواح

 


قد تقابل لأول مره في حياتك أناس لا تعرف حتى أسماءهم ، ولم ينطقوا بكلمه واحده ، ومع ذلك تأنس روحك لهم ، وكل من يراهم يحبهم دون سابق معرفه بهم .

وأناس آخرون تجلس معهم وتعرفهم سنوات طوال ومع ذلك إلى الآن لم تفهمهم ، ولم ولن تتقبلهم ولو كسوك ذهباً ، أو مدحوك دهراً ، فأنت لا تأنس لحديثهم ، ولا للجلوس معهم على الرغم من أنهم لم يؤذوك لا بقول ولا بفعل ولا بموقف  .

مالذي يجعلك ترتاح لهذا مع أنك لا تعرفه ، وتنفر من هذا مع أنك تعرفه ؟!!! .. 

 إن علاقه المرء القوية مع الله سبحانه وتعالى تجعله محبوباً عنده سبحانه ؛ فكل من رآه يحبه .

ولأنه أَحَبَّ الله تعالى تعلقت روحه بالله طاعةً وانقياداً وامتثالاً ، فهو يقدم محاب الله على محابه ، لذلك رضي الله عنه رضاً لا سخط بعده ؛ فكساه الله مودة في قلوب خلقه وقذف في قلوب كل من رآه محبته .

 وقد سطر القرآن نتيجة العلاقه بينه وبين عباده المتفانين في طاعته فقال جل جلاله في سورة مريم : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً ) أي محبة في قلوب خلقه ..

وجاء في صحيح مسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنَّ اللهَ تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فَأَحْبِبْهُ، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القَبُولُ في الأرضِ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول : إني أبغض فلاناً فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم تُوضَعُ له البَغْضَاءُ في الأرض» رواه مسلم .

يا لها من بشرى رائعه ومكرمه إلهيه لأحباب الله يوم أن يحبهم الله فيتباهى بهم عند جبريل عليه السلام ، وعند  أهل السماء : (إني أحب فلاناً ) باسمه الذي تسمى به في الدنيا فيا ملائكتي أني أحببت فلاناً فأحبوه ،  ثم يضع الله له القبول في الأرض فيكون محبوباً عند خلقه أجمعين .

ياه كم هي مفخره لك أن تكون  محبوباً عن مولاك ، وعند جبريل عليه السلام ،  وعند أهل السماء ، وعند خلقه ؛ فتلقى القبول عند أهل السماء ، وأهل الأرض .

الكل يسعى سعياً حثيثاً أن يكون محبوباً عند الناس ؛ فبعضهم يبحث جاهداً ويقرأ كثييراً عن كيفية كسب القلوب ، وعن الخطوات التي لو فعلها سيحبه الناس ، فيقرأ ٧ خطوات طبقها و ستكون محبوباً عند الناس .. ويقرأ ١٠ خطوات مارسها و ستكون جذاباً .. وكيف تخطف القلوب من أول نظرة ... وكيف تكون ساحراً لمن حولك فيحبوك  .. وكيف .. وكيف !! ... 

في النهاية لو قرأ كتب الدنيا كلها وحضر دورات الكون بأجمعها ؛ فلن تعلمه الكتب أو تجبر الناس على محبته مهما طبق ما تعلمه ؛ لأن الله وضع له البغضاء في الأرض .

في المقابل تجد أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ومع ذلك ملأ الله قلوب الناس محبه له ، فلا تراه العيون ألا أحبته وانشرح خاطرهم لمرآه ؛ لأن الله وضع له القبول في الأرض .

أرواح المؤمنين الطائعين لرب العالمين تنجذب لما يماثلها من أرواح فروح الطيبين المؤمنين تألف الطيبين ،  والارواح الخبيثه تألف مثلها .

فيارب نسألك أن تجعلنا مقبولين عندك وعند جبريل وعند أهل السماء والأرض ؛ فأسمى أمانينا فيض محبتك وجميل ودك .  

 قَلبي بِرَحمَتِكَ اللَهُمَّ ذو أُنُسِ

 في السِرِّ وَالجَهرِ وَالإِصباحِ وَالغَلَسِ

 و ماتَقَلَّبتُ مِن نَومي وَفي سِنَتي

 إِلّا وَذِكرُكَ بَينَ النَفسِ وَالنَفَسِ

 لَقَد مَنَنتَ عَلى قَلبي بِمَعرِفَةٍ

 بِأَنَّكَ اللَهُ ذو الآلاءِ وَالقُدسِ

.                                           🖋 سلمى الحربي

....