كلنا لا نملك عصا سحريه لنغير نمط الحياة أو نمط الشخصيات لمن حولنا لتوافق ما نصبوا إليه ، وكلنا لا نستطيع لا بقدراتنا العقليه ولا الجسمانيه ولا الماليه أن ندفع الضر عن أنفسنا ، ولا عن أقرب الناس لقلوبنا .
فالحياة طبعت على كدر فهي تتقلب بك في منحنيات شتى ، فتارة ترفعك وتارة تخفضك ، وتارة تضحكك وتارة تبكيك ، وكذا طبائع البشر ، فيهم الشديد الرعديد الألد الخصم ، وفيهم الهين اللين ذو السماحة والأدب الجم .
أقول هذا حتى تعود نفسك على مواجهة أي عاصفة تعترض طريقك سواء عاصفة تتعلق بنوائب الدهر ، أو عاصفة بشريه تحاول النيل منك ؛ لذا واجهها بصمود بدل أن تهرب منها ، واجهها بحكمة وعقلانيه لا بشراسة وعدوانيه .
عود نفسك كذلك على تقبل بعض البشر كما هم ففلان من الناس أنت لا تملك أن تغير طباعه ١٠٠ % لتوافق طباعك ، ولا سيما أنه لا يقبل لا نقاش ولا حوار ولا نصح ، فتقبله كما هو واصبر عليه صبراً جميلاً ، وإذا نفذ صبرك فاهجره هجراً جميلا .
عود نفسك على أن تكفكف جراح نفسك وتلم شعث ذاتك وتطبطب على كتفك بيديك فلا تستجدي رحمة بشر أو معونة أحد ، لأنك تعلم تمام العلم أنك على موعد لمن يستحق أن تفضفض له في وقت جوهري وهو وقت السَّحر والنزول الإلهي حيث ثلث الليل الآخر ، فهناك يستقبلك ملك الملوك فاطرق بابه ، وبث شكواك له و مد يديك لجلاله ، واهتف بدمع مدرار : ( يا الله ) فهو سميع الدعاء ، كريم العطاء جل جلاله .
كذلك ينبغي لك أن تعود نفسك على مسألة التجاهل ، فليس لكل فعل ردة فعل ، فإذا مرت من أمامك كلمه جارحه ؛ فلا تلقِ لها سمعك بل احبس لسانك عن الرد فكأنك ما سمعت ولا رأيت .
قال الشافعي رحمه الله :
يخاطبني السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلماً
كعود زاده الإحراق طيبا
عود نفسك على برنامج إيماني يومي فمن العار أن يمر يومك وليس في جعبتك مخزون إيماني يرفعك عند مليك مقتدر ، عود نفسك على ورد قرآني كل يوم ولا تقل لا أستطيع لأنك تستطيع بكفاءة أن تمسك بيديك جوال تهدر الساعات الطوال شاخصاً بصرك في شاشته وكأنك ترى أنهاراً من عسل مصفى ، أو نعيماً وملكاً كبيرا .
عود نفسك على أن يكون يومك أفضل من أمسك ، فإذا فاتتك بالأمس مثلاً صلاة الضحى فعوضها اليوم القادم بركعات أكثر ، وإذا كنت تتصدق بالأمس بمبلغ كذا فاعزم في اليوم الثاني بمضاعفة المبلغ أو تنويع الصدقات ، وكذا في قيام الليل .
وإذا كنت تسمع أو تقرأ هذا الحديث النبوي الذي قاله خير البشر - صلى الله عليه وسلم - فلا أظنك تبيع دنياك وفي مسمعك ما قاله الصادق المصدوق : (ألَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم ، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم ، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم ، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتَضْرِبوا أعناقَهُم ، ويَضْرِبوا أعْناقكُم ؟ ! ، قالوا : بَلَى ، قال : ذِكْرُ اللهِ ) صحيح الترمذي .
هذه منزلة ذكر الله عنده سبحانه ، منزله عاليه جداً لا تكلفك جهداً بدنياً ، فهي يسيره وثوابها جزيل ، تحتاج للسان رطب يلهج بذكره سبحانه ، وماهي إلا أيام وأيام وتتعود على ذكر الله من تسبيح وتهليل وتحميد واستغفار وهكذا حتى تصل إلى منزلة : ( الذاكرين الله كثيرا ) والذين أثنى الله عليهم في كتابه الكريم .
عود نفسك على أن تقول كلمة ( لا ) في المواقف التي لا يحسن بك أن تقول فيها ( نعم ) فلنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، ولربك عليك حقاً ، قُلها بأدب وبحسن لفظ : ( اعتذر يا صاحبي ، لا أستطيع الآن يا عزيزي ، وقتي لا يسمح هذا اليوم ) قُلها بأدب ولا تخجل ، لكن لا تقلها أبداً أبداً لوالداك ، فالوالد أوسط أبواب الجنة ، فحقهما عظيم حتى لو كنت مشغول ففرغ نفسك لهما لأن مولاك يوصيك ببرهما : ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) سورة الإسراء آية ٢٤ .
وهكذا عود نفسك على شمائل الأخلاق ومحامد الصفات فلا تسمح لشيطان نفسك أن يغير فيك خلقاً جميلاً لأجل دنيا زائله .
اخيراً عود نفسك على الثبات على المبدأ ، فلا تنجرف وراء ذوي الأهواء الفارغه ، والاقاويل المضله طالما أنت تسمع لمولاك وهو يقول : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا) سورة الكهف آيه ٢٨ وكذا قوله تعالى : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) لذلك لا تنخدع بكثرة الضالين ، فطريق الله واحد ومبادئه ثابته لا تتغير بتغير زمان ولا مكان ، وفي زمن الفتن المدلهه والمحيطه بنا من كل جانب لا نملك أنا وأنت سوى أن ندعو بقلب خاضع : ( يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك) .
. 🖋 سلمى الحربي
...