عندما يتربى الصغير منذ نعومة أضفاره على احترام الكبير ، والعطف على الصغير ، والترقي بألفاظه ، والتلطف بعباراته ، والتعود على الحشمه والحياء ، ولا سيما البنات ، عندها سيكبر هذا الجيل ناشئاً على معالي الفضيله ، ومكارم الاخلاق ، وإذا كان الوالدان قدوة حسنه سينتهج الأبناء على نسج والديهم ؛ فالولد نِتاج تربيته ، وصدق من قال :
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوده أبوه
و مادام الفتى بِحِجَىً ولكن
يُعوده التدين أقربوه
كما أنَّ الأم بالذات هي الركيزة الأساسيه لتربية الأبناء فالأم الصالحه يخرج من تحت يديها جيلاً صالحاً .
وإذا كُنتَ ترى بعينك ذلك المهذب عالي الأخلاق ، رفيع المقام ستدعو له تلقائياً : ( سَلِمَتْ يمينٌ من رباك) ، وفي المقابل تتألم لما ترى سلوكيات خارج نطاق حدود الأدب كالبجاحة اللفظيه التي يتفوه بها من تربى على بذاءة اللسان ، والجراءة التي تجاوزت حدود ومعايير الأدب والذوق العام أمام من هو أكبر منهم سناً وقدراً وعلماً أو أمام الجماهير .
من الذي عَلًم ذلك الولد أو البنت أن يتطاول بلسانه على الآخرين في حضرة والده الذي يضحك بملء فيه على تصرف ابنه ليعطيه الضوء الأخضر لمزيد من الملاسنه ؟ .
ومن الذي عَلَّم البنت أن ترفع صوتها عن من رباها وعلَّمها ، أوترفع قضايا ضده في المحكمة بالتعاون مع أمها التي رفعت قضيه خلع ضد زوجها لأسباب أوهن من بيت العنكبوت دون أن تُفكر في مصير أبناءها ؟ .
ومِنْ المُؤلِم جداً أن ترى فتاة قاربت سن البلوغ أو بلغت وإلى الآن تمشي أمام الملأ سافرة الوجه سفعاء الخدين بملابس غير لائقه دون أدنى حياء أو ذرة خجل !!!.
وسلوكيات أخرى بمظاهر خادشة للحياء لا داعي أن نوجع قلوبكم بمزيد منها ، فالكل يرى ويسمع ويقرأ ، وإذا كان الأولون وعباد الله الصالحين يبتهلون بالدعاء قبل حصول الذرية : ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) ، ( ربي هب لي من الصالحين ) ، ( ربي هب لي من لدنك ذرية طيبه إنك سميع الدعاء ) كل ذلك لينعموا بذرية صالحه أساسها قال الله وقال نبيه صلى الله عليه وسلم .
إنَّ أسمى أنواع الأدب أن تتأدب مع خالقك باتباع أوامره والرضا بقضاءه وقدره خيره وشره فلا تتذمر أو تتشكى أو تقنط من رحمة أرحم الراحمين .
ومن الأدب مع الله أن تنسب كل نعمةٍ إلى واهب النعم وهو مولاك جل جلاله : ( ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) .
وأفضلُ الخلق تأدباً مع الله تعالى هم الأنبياء عليهم السلام ففي ثنايا سيرتهم العطرة نماذج رائعه لحسن الأدب مع الله تعالى ؛ فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام يلهج لسانه تأدباً مع خالقه :( الذي خلقني فهو يهدين . والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين ) لاحظ لما قال : ( يهدين ...يطعمني ...يسقين ) فنسب النِعم لله ، أما المرض فنسبه لنفسه تأدباً مع الله تعالى ، وهذا نبي الله أيوب عليه السلام ابتلاه الله بالمرض ١٨ سنه فصبر واحتسب طوال هذه السنين وبعد هذه المدة الطويلة من الصبر رفع يديه إلى مولاه وهو في غاية الأدب والإنكسار بين يدي خالقه : ( رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) غاية في الأدب يوم أن ابتهل إلى ربه يرتجي الشفاء بعبارات مؤدبه فأكرمه الله بأنْ استجاب دعاءه وأبدله بعافيه في جسده .
نماذج رائعه خلدها القرآن لخير خلق الله وهم الأنبياء عليهم السلام لنتخذها مثالاً يٌحتذى به في حسن الأدب مع الله تعالى .
وكلما كان المرء مؤدباً مع الله كان لهذا الأدب أثر حتى مع المخلوقين ، والقرآن مليء بالآداب التي لو طبقناها لكنا سادة الأمم وخير البرية طالما نحمل في أيدينا كتاب ربنا كمنهاج حياة ، ونبراس طريق نحو الخير والفلاح والفوز برضوان من الله .
✒️ سلمى الحربي
....