الإصلاح بين الناس

 


نرى في أوساط الناس من هم متآلفين متحابين تغرد بلابل الألفه بين قلوبهم ، ونرى أيضاً من نزغ الشيطان بين قلوبهم ، فتفرقوا بعد وصال ، وتباغضوا بعد محبه ، فهذا يُعرض عن هذا ، فلا سلام ولا كلام ، ولا لقاء !!! .

هل نتركهم ونقف مكتوفي الأيدي ننظر إليهم ، ونقول لا شأن لي بهم ؟ .

إذا كان لديك المقدرة على رأب الصدع ، ورقع ما تمزق من عرى الأخوة ،  فلمَ لا تبادر ؟! وخصوصاَ إذا كان لديك زاداً شرعياً أساسه قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولديك جمال أخلاقي ، وجمال لفظي تستطيع به تقريب وجهات النظر ، مع تهدئة الطرفين بجميل العبارة ، وحسن اختيار الكلمه الطيبه .

إنَّ منزلة الإصلاح بين الناس منزله عظيمه عند الله تعالى ، ويا سَعد من شرفه الله بهذه الخصله : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/ ١١٤.

والإصلاح بين الناس أفضل من كثير من العبادات  فهو أفضل من نوافل الصوم والصلاة والصدقه كما قال عليه الصلاة والسلام :( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ) ؟ قَالُوا : بَلَى. قَالَ : ( إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . 

فإذا وفقك الله للإصلاح بين الناس فأولاً أخلص نيتك لله تعالى ، وليكن هدفك الأجر والثواب من رب العالمين ، مع سؤال الله تعالى العون والتوفيق والسداد ، ثم اختر الوقت المناسب ، والكلمه المناسبه ، ولا تنحاز لطرف دون آخر ، ولتكن الحكمة والموعظة الحسنة تجري على لسانك بألطف العبارات ؛ حتى تلقى لها أبواباً مفتوحه ، ومن ثم تلين قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق .

فلان أخطأ في حقي ، فلان شوه سمعتي ، فلان ظلمني ، فلان افترى عليّ ، فلان قال ، وفلان فعل وفعل ...وووو !!!

القرآن يقول : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) سورة الشورى آية ٤٠  .

كمية الأجر المضاعفه ستكون من أكرم الأكرمين جل في علاه ، الأجر مفتوح بغير حساب ، عرض مغري جداً جداً ، فهل تريد أن تصعد إلى رضوان الله ، أم تريد ان تنزل إلى قاع الدنيا بلا أجر ؟؟.

اعفو وسامح مهما حصل ، فغداً سترحل وتترك دنياك بما حملت ، ولن ينير قبرك إلا عملك الصالح !! .

ثم أنت الآن تصلي ، وتصوم ،  وتفعل الطاعات ، لكن أعمالك متوقفه لا تصعد إلى السماء بانتظار أن تتصالح مع خصمك ، فهل يرضيك هذا الفعل لأجل كلمة قالها لك فأزعجتك ثم أقفلت باب الصلح في وجهه !! .

تامل - رعاك الله - حديث نبيك محمد صلى الله عليه وسلم لمَّا قال : ( تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً ، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا،  انظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم .

هاه ، هل أنت مُصر على الجفاء ؟ ، أم تريد أن تفتح الأبواب لخصمك بالصلح ؟ !!! .

مُد يديك ، وصافح أخاك المسلم ؛ لتنال خيري الدنيا والآخرة ، والفوز برضا الله جل جلاله .

ما أجمل - والله - أن تتكلل مساعي المصلح بين المتخاصمين بالنجاح ، فتعود الطيور لأعشاشها وتلتئم جِراحاً كانت داميه منذ زمن .

هنيئاً ثم هنيئاً وهنيئاً ، لمن أصلح بين اثنين فاستحق هذه العطيه التي نطق بها محمد صلى الله عليه وسلم : ( كُلَّ يوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدقَةٌ ) متفق عليه .

 لا تتردد في الإصلاح بين المتخاصمين إذا كنت تملك مهارة الإصلاح بينهم ، فليس في صالح الأمه تفرقها شيعاً وأحزابا ، وليس في صالح المجتمعات والأسر تفكك شمل وحدتهم فالله تعالى ينبذ الفرقه ويدعونا أن نكون يداً واحده :( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) سورة آل عمران آيه ١٠٣

                                            🖋 سلمى الحربي

..