عِش ببساطة

 


فلان يُعتبر من متوسطي الدخل ، أو أقل قليلاً ، ولكنه أجبر نفسه أن يرفع منزلته لطبقة الأثرياء مع أني لا أعتقد أن جُلَّ الأثرياء يسلكون مسلكه ، فهو ينفق على هندامه الكثير ، فلا يرضى إلا بأفخر الثياب وبالماركه الفلانيه ، بل إنه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه يكتسي من أفخم البراندات العالميه .

أما السفر ، فلا يرضى إلا بطبيعة أوروبا الساحره الباهضة الثمن ، ولو قَصَّر عليه المال استدان ، أو أخذ قرضاً ؛ ليُرضي غُروره ، أو ليُجاري زيداً ، أو عَمْراً !!! .

وقِس على ذلك سيارة فارهه بأقساط عاليه !! فمنذ عشر سنوات ، وإلى الآن يُقتَطع من راتبه الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة في منتصف الشهر ؛ ليعيش على حسنة المحسنين بديون لا تفي حاجيات البيت الأساسيه !! .

ما الذي يمنعك أن تعيش ببساطه ؟؟!!

لا تقحم نفسك أن تلبس ثوباً ليس بثوبك ! فالله تعالى يحب المتواضعين ، ويمقت أهل الخيلاء والمسرفين !!

وإذا كُنتَ تقول : ( أنا حُر في مالي ! ) فالله تعالى يقول : ( فلا تبذر تبذيرا . إنَّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) سورة الإسراء آية ٢٦ ، ويقول أيضاً :( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) سورة الفرقان آية ٦٧ . 

ألا ما أجمل البساطة والبُسطاء !

فثوبٌ نظيف ، وهندام لطيف ، ومركب هني ، ونفسٌ قانعه تقنع بما آتاها الله من فضله ، فتشكره على نعمائه ؛ فتأكل بإعتدال ، وتلبس بإعتدال ، وتسافر بإعتدال ، فلا يهمها التمظهر ، ولا تتطلع لما في أيدي الغير .

لقد كان سيد الأولين والآخرين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - متواضع الهندام ، حتى إنَّ بعض الأعراب ليأتي وهو جالس بين صحابته - رضوان الله عليهم - فيسأل : ( أيكم نبي الله محمد ؟) فكان لا يُميزه ديباجة حرير ، ولا بُردة فارسيه ، ولا أي مظهر يدل على أنه نبي الله ، وهذا من عظيم تواضعه صلى الله عليه وسلم . 

ولَمّا خَيَّره الله تعالى أن يكون مَلِكاً رسولاً ، أو عبداً رسولاً قال : ( بل نبيًّا رسولًا ، أعيشُ كما يعيشُ العبد ، وآكلُ كما يأكلُ العبد) .

وكذا الأثرياء من صحابته الكِرام - رضي الله عنهم أجمعين - كأبي بكر الصديق ، وعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وغيرهم كانوا يلبسون ثوب التواضع والبساطه ، فالمال في أيديهم وسيلة لمرضاة الله ، فهم ينفقون جُلّّ هذا المال في سبيل الله ؛ لأنهم اختاروا ما عند الله تعالى ، فهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان يُساوم التُجار ويُفحمهم ، وفي النهايه كان يقوم بتوزيع ما اكتسبه أمام التجار على الفقراء ، فما كانت الدنيا لتأسر قلوبهم ، وفي أرواحهم حب الله ورسوله يتغلغل .

ولما حكى القرآن في آياته حال من افتتنوا بمال قارون فقالوا : ( يا ليت لنا مثلما أوتي قارون . إنه لذو حظٍ عظيم ) سورة القصص آية ٧٩ ،  كانت نهايته : ( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ) سورة القصص آية ٨١ .

عِش ببساطه ، حتى لو كُنتَ غنياً ، فمن تواضع لله رفعه ، ولا داعِ أن تكسر نفوس الفقراء باستعراض نعمك أمام الملأ ، فالله قادر أن يسلب منك هذه النعمه في طرفة عين ، فلا تتكبر ، ولا تمشِ في الأرض مَرَحَا ، وكن من الذين لا يريدون عُلواً في الأرض ولا فسادا .

كن محباً للبُسطاء الذين لا يملكون من دنياهم سوى كَفَافَ العيش ، وتَبَسَّط لهم بالصدقه ، وبكريم أخلاقك ، وارسم على أفواههم البسمه بجميل أفعالك .

كن بسيطاً في تعاملك مع الناس أليفاً مألوفاً ترتدي معطف التواضع بخُلُقٍ جم ، وكأنك تقرأ ثنايا حديث رسول الله - عليه الصلاة والسلام - لما قال : ( ألا أخبركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامه ؟ أحاسنكم أخلاقاً الموطأون أكنافاً الذين يَألفون ويُؤلفون ) رواه الطبراني وصححه الألباني ..

كن بسيطاً سهلاً مُيسرا ، فسهل أن يتناقش معك الناس ، سهل في الأخذ والعطاء ، بسيط سمح ، لا تتكلف ، ولا تُصعب الأمور أو تعقدها ، مَرِن سهل المِراس ، كعبير الزهر حين ينبثق الفجر .

وكذا - أختي وغاليتي - كوني بسيطه في تعاملك ، بسيطه في ملبسك ، بسيطه في استقبال ضيوفك بلا بذخ ، ولا بطر ،  بسيطة في تربية أطفالك بلا تدليل ، ولا جدية مفرطه ، بسيطة في تعاملك مع زوجك وأهله بلا غرور ، ولا تعالي عليهم لا في ملبس ، ولا في مطعم ومشرب .

 لنَعِش أنا وأنتم ببساطه في كافة نواحي حياتنا ، فالحياة بسيطة تحتاج لمن يُبَسِّطُها ، ولا يعقد سيرها بفكرِ أرعن ، أو سوداوية مقيته ، أو نظرة تشاؤميه ؛ حتى ننعم بحياة حلوة أساسها التفاؤل ، وحسن الظن بالله جل جلاله ...

                                              ✒️ سلمى الحربي

       

 ...