رسائل ربانيه

 


كل رسالة تأتيك من الله ، فأرعِ لها سمعك ، وافتح قلبك ، وحَكِّم عقلك ، فرسائل الله بمثابة جَبر لقلبك ، أو تحذير ، أو نذير ؛ لتصحو من غفلتك ؛ وتَفِقْ من سَكْرتِك .

فهذا الذي يغدو ويروح لاهياً في دنياه ، فلا صلاة على وقتها ، ولا جلسة مُحاسبة على ما اقترفت يداه في جنب الله ، أو فيما اجترحت يداه من أذى لعباد الله ، جاءه النذير على هيئة مرضٍ أنهك جسده ، وهَدَّ عظمه ، فذبلت عيناه ، واصفر لونه ، فقاسى الألم وجُرعةَ الدواء ، ولما أحس بالضعف والإنكسار وقَلَّتْ حيلته ، عاد إلى عتبة مولاه تائباً نادماً ، معترفاً بذنبه .

وذاك الذي آتاه الله مالاً فبعثره في مظاهر جوفاء ثم حَرَمَ الفقراء ، واليتامى ، والمساكين من فضل ماله ، وسَخَّر ذلك المال فيما حَرَّمَ الله تعالى ، كانت نهايةُ بذخه وطغيانه أنْ ابتلاه الله بالفقر ؛ لعله يعود إلى مولاه .

وذاك الذي تكررت عليه تلك الرؤيا في منامه ؛ لتقض مضجعه ليلةً بعد أخرى ، يأتيه المُعَبِّر ليقول له : ( يا هذا اتقِ الله في خلوتك ، فالذي خلق الظلام قادرٌ على أن يهتك سترك !! ) رسالة من الله؛  لِيُعَدِّل الطريق نحو العبور إلى مولاه .

وهذه الجنائز التي تمر من أمامك صباح مساء ، وتلك الحوادث المرورية التي فارق الحياة بها من كان يرجو طولة العُمر ، وهناءة العَيش ، رساله من الله تقول لك : ( كل من عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) سورة الرحمن آيه ٢٦ ، ٢٧ .

وكذا الفيضانات ، والعواصف ، والأعاصير ، والقحط ، والجدب ، والخسوف ، والكسوف ، والزلازل ، والحروب ،  والقتل ، والمجاعات ، كلها رسائل ربانيه فيها نذير ، وتخويف ، ووعيد ؛ لعلهم يرجعون .. لعلهم يتذكرون .. لعلهم يتضرعون .. لعلهم يفقهون !! .

إن أعظم رساله ربانيه هي هذا القرآن العظيم ، ففي ثناياه سور وآيات أرسلها الله لعباده حُجةً وبلاغ ، ليس ذلك فحسب ، بل أيضاً فيه رسائل تُبشر المتقين بجزيل النعيم ، وأوصاف الجِنان ؛ ليشتاقوا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين .

إنَّ وِردك اليومي من القرآن يُخاطبك بجملةٍ من الرسائل الربانيه ما بين ترغيب وترهيب ، ووعد ووعيد ؛ لتضيء دربك ، وتفسح لك الطريق ؛ لتعيش عَيش السعداء في كنف الرحمن جل جلاله .

تلك هي الرسائل الربانيه ، تجدها في كتابٍ لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ويا لَسَعادةِ من رتَّل هذا الكتاب ، ووعى رسائله بقلبه وعقله ، فتارةً تدمع عيناه ، وتارةً يُجهش بالبُكاء ، وتارة يستنير وجهه ، وتارة يستبشر خيراً بما قرأتْ عيناه من بينات الهدى وكتاب مبين : ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) سورة ابراهيم آيه ١.

                                           ✒️ سلمى الحربي

....