يعيشُ كثيرٌ من الناس هاجساً اسمه المستقبل ؛ فالأب يوصي ابنه : ( ادرس واجتهد ؛ حتى تبني مستقبلاً جيداً لك ) ثم إذا نجح وتخرج من الجامعه ، يحمل هَمَّ مستقبل جديد ، وهو زواجه فيتزوج ، ثم هَمٌ آخر وهو الإنجاب فينجب ، ثم مستقبل آخر ، وهو بيت العُمر فيبني بيته ، وهكذا ينظر دوماً إلى الأمام نحو المستقبل ، فهو يُفكر فيه كثيراً ، ويقلق ، ويبني حياته على منواله ! .
المستقبل في الدنيا ، تنتظره بترقُّب ، فإذا جاء صار حاضراً ، وليس مستقبلاً ، وهكذا تبقى أسير مستقبلٍ قادم ، فإذا جاء تحول اسمه من مستقبل إلى حاضر ، وتظل تترقب ، وتتخوف من مستقبل مجهول لا تدري ما الله صانعٌ بك !! .
إنَّ المستقبل الدنيوي كلنا نرجوه ، فالله تعالى يقول : ( ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ) سورة القصص آية ٧٧ .
وبالمقابل مستقبلنا الآخروي ، هل له حيز من تفكيرنا ، وقلقنا ؟؟؟!
ماذا قدَّمنا لآخرتنا ؟ وكيف نبني لنا قصوراً في الجنة ، بأعمالٍ صالحه ، ترتقي بنا إلى الفردوس الأعلى من الجنة ؟؟؟..
إنَّ المستقبل الذي ينتظرنا بعد الموت ، إما إلى دار النعيم المقيم ، في جنة تجري من تحتها الأنهار ، وإما إلى دار الجحيم ، في نارِ جهنم ، وبئس المصير ! .
جميلٌ أن تحمل هم المستقبلين :(الدنيوي والأخروي معاً) فالله تعالى أوصاك بآخرتك ؛ لتفوز بجنته ، وأوصاك بدنياك ؛ لتعمُر هذه الأرض : (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) سورة القصص آية ٧٧ .
لا تجعل الدنيا فقط هي أكبر همك ، ومبتغى آمالك ، ففي الحديث النبوي يقول ﷺ : ( من كانت الدُّنيا همَّه ، فرَّق اللهُ عليه أمرَه ، وجعل فقرَه بين عينَيْه ، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له ، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه ، جمع اللهُ له أمرَه ، وجعل غناه في قلبِه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ ) صححه الألباني .
رزقك مكتوب ، والذي رزقك وأنت جنين في بطن أمك ، سيتكفل برزقك ولن يتركك ، فانظر للدابة الصغيرة التي لا تقوى على حمل رزقها كيف رزقها الله ورزقك : ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ) سورة العنكبوت آية ٦٠ ..
احمل الهمَّ الأكبر وهو : ( هل الله راضٍ عني؟ ) وكيف أرضي ربي ، وأسقي مزرعتي في الآخرة بوابل من الحسنات ؟ حتى أنال شرف المُقامه في دار الكرامة .
هناك في الآخرة ، المستقبل ينتظرنا ؛ ليفتح أبواب جنته بنعيم سرمدي للمتقين الأبرار : ﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمٍ . عَلَى ٱلۡأَرَاۤئكِ یَنظُرُونَ . تَعۡرِفُ فِی وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِیمِ . یُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِیقࣲ مَّخۡتُومٍ . خِتَـٰمُهُ مِسۡكࣱۚ وَفِی ذَ ٰلِكَ فَلۡیَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَـٰفِسُونَ . وَمِزَاجُهُ مِن تَسۡنِیمٍ . عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ ﴾ [ سورة المطففين ٢٢-٢٨ ] .
لنتعلم ، ونُعلّم أولادنا ، أن نهتم في دنيانا بحاضرنا الذي نعيشه ، فلا نغتم للماضي ، ولا نحمل هم المستقبل فوق رؤوسنا ، فإذا صَلُحَ حاضرنا سيصلح مستقبلنا بإذن الله ، ولنُعلّم أولادنا أيضاً أنَّ الآخرة هي المستقبل لكل حي ، وأن الإستعداد لها بصالح العمل هو الفوز المبين .
🖋 سلمى الحربي
...