الحياة بما فيها من ضوضاء ، وصخب ، ومشقة ، وعَنَتْ ، وآلام ، ومنغصات ، تحتاج أن تدير ظهرك لها ، وتُلقِ بآلامها في سلة المهملات ؛ لتبدأ صفحةً عِطرية منعشة ، تتراقص فيها روحك الوضاءة مع الأطيار الصداحه إلى عنان السماء ؛ لتخلق أنواراً جميلة ، وتضيف لنفسك من بعدها أجواء مرح ، وفرح ، ومسره ، وبسمه ، وضحكة جميلة ، ونكتة لطيفة .
أترى ذاك الطفل الجميل يلهو بلعبته ضاحكاً مسروراً ، وكأنه مَلَكَ الدنيا برمتها ، يعيش لحظاته وأجواء فرحته ، تارةً مع لعبته ، وتارة مع أقرانه ، وهو يشاركهم اللعب ، في جو مليئ بالضحكات ، والصرخات المفعمه بالفرح والمسرات .
وكما تعلم ، فذاكرة الطفل قصيرة ، ليست بعيده المدى ، فعقله الصغير ، وقلبه الجميل ، لا يتسع لأحزان ، أو مواقف طفوليه مؤلمه ، فاليوم يتخاصم مع هيثم ومهند ، وبعد دقائق يتعانقون ويتصالحون ، ويلعبون ، ويمرحون سوياً ، وكأنَّ شيئاً لم يكن ..
ليتنا نتعلم من براءة الأطفال صفاء القلوب ، وطهارة النوايا ، والإستمتاع بأدق تفاصيل يومهم .
كلنا نستطيع ذلك ، فلا أحد سيجبرك أن تعيش جواً أنت لا تريده ولا ترغبه ، ولذلك بإرادتك وعزيمتك القويه ، ستطوي صفحات أي مواقف سلبية ، أو تشاؤميه ، أو عدائية ، وتزيحها من أمامك ، ثم تمحو من ذاكرتك كل ألم مر بك ، من خلال التفكير الإيجابي التفاؤلي الذي سيقودك إلى عالمٍ مُشرق تحفه المعية الإلهيه أينما حللت ، سائلاً مولاك في كل لحظة ، وفي كل حين : ( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همي .. ربي كن معي فلا معين لي سواك .. اللهم أسعدني بطاعتك ومرضاتك .. ربي لا تجعل في قلبي غلاً للذين آمنوا ..) .
يومياً ، أنت ستشحن ذاتك بطاقة إيجابية ، من خلال بر الوالدين ، والإحسان إلى الناس ، وملازمة أذكار الصباح والمساء ، وإقامة الصلاة في وقتها ، وقراءة القرآن ، والترنم بالأذكار ، والدعاء ، وقيام الليل ولو بركعات ، ثم تختم ليلتك بالوتر ؛ لتنام مرتاح البال ، مسرور الخاطر .
وخلطة سحرية أخرى أقول لك فيها : ( ليومٍ مشرقٍ جميل ، أُخرج من بيتك مع من تحبه ، في نزهه جميلة ، واستنشق هواء البحر العليل ، وتأمل تلك الأمواج ، والأسماك ، والأصداف ، والأطيار ، والزوارق .. ولمزيدٍ من المرح زر صديقاً أحببته وتأنس روحك للحديث معه .. هاتف من اشتاق قلبك لسماع صوته من الأخيار الذين يضيفون ليومك نكهة خاصه .. امشِ واركض في أرض فسيحه خضراء بين الحقول والجداول الرقراقة ...حافظ على لياقتك البدنية بممارسة التمارين الرياضية ؛ لتنتعش روحك المعنوية .. اسمع لتغريد العصافير ، وهديل الحمام ، وخرير الماء ، وتساقط المطر .. تبسم في وجه أخيك المسلم ، وألقِ عليه تحية الإسلام .. جُد من مالك لفقير بائس ، أو يتيم يائس .. تصدق ولو بأقل القليل .. تسامح ، وتصافح ، وتآخى ، ولا تقف عند كل عثرة ...) .
ليس عيباً أن تلعب مع أطفالك ، فنبي الأمه - صلى الله عليه وسلم - كان على جلالة قدره يلعب مع الأطفال ، ويمازحهم ، ويضحك معهم ، حتى صحابته - رضي الله عنهم - كان يمازحهم ، ويتلطف معهم ، وكانوا في حضرته يتمازحون ، ويطرح بعضهم بعضاً أرضاً ، فيضحكون ، ويضحك نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في جو إيماني تغشاه المحبة ، وتغرد فيه بلابل الفرح ، والتآلف الأخوي ..
الإسلام ، ليس دين شِدة ، ولا فضاضة ، ولا قسوة ، ولا غلظة ، بل هو دين الرحمة ، والمؤاخاة ، والمحبة ، والمواساة ، وما تصدَّعتْ بنيان بعض الأسر ، إلا من غياب النهج الرباني ، والمحمدي عن مسار حياتهم ، ولو تصفحتَ سيرته العطرة - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته أمهات المؤمنين - رضوان الله عليهن - ستجده غاية في الحنان ، والتلطف ، والمحبة لزوجاته ، فهذه حبيبته السيدة عائشة - رضي الله عنها - لما تزوجها وهي صغيرة كانت في بيته الشريف تلعب مع صويحباتها ، فيُسَرُّ بذاك الجو اللطيف ، وهي تلعب معهن ، ولما صارت في سن الشباب - رضي الله عنها - كان يتسابق معها فتارة تسبقه ، وتارة يسبقها .. والمواقف كثيرة معه - صلى الله عليه وسلم - تحكي تلطفه مع زوجاته ، رضي الله عنهن أجمعين .
وفي عصرنا هذا ، لو رأيتَ زوجاً يتسابق مع زوجته ، أو مع أولاده ، ورآه أحد البشر ، لوصفوا المسكين بالمجنون ، أو أنَّ لوثةٍ عقليه أصابت دماغه !! لأن رجل الصحراء ( سِي السَّيَّد) لم يعتَد على جو المرح والبساطه ، ولم يتربى على الحنان والشفقة ، وإنما اعتاد على تقطيب الجبين ، وإصدار الأوامر والنواهي ، ولو تربى هؤلاء على اقتفاء سيرة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - لما كان حالهم هكذا تتزايد نِسب الطلاق في أوساطهم يوماً بعد يوم !!! .
لذلك عُد للمعين الصافي ، وارتوِ من ينابيع القرآن والسنه ؛ حتى يستقيم نهج حياتك ويترقى نحو المعالي والفضائل ، ولذا أُعلنها صريحة : " لأجل المرح ، ومن أجل المرح ، كُن - من فضلك - مرحاً ، لطيفا ، رقيقاً ، حبيباً ، حنوناً ، شفوقاً ، مع أهل بيتك خاصة ، ومع سائر الخلق أجمعين ، فأنت ستبني لك بيتاً عالياً هناك في الجنة ، بسمو أخلاقك ، فاعمر ذاك البيت بأحسن الأخلاق ؛ حتى تنال شرف الإقامة ، في أعالي الجِنان مع الأنبياء والصالحين ، وحَسُنَ أولئك رفيقا " .
✍️ سلمى الحربي
....