جلسه عائليه

 


قبل أن تدخل المدنية المعاصرة وسائل التكنولوجيا الحديثه ، كانت البيوت تنعم بدفء ، واحتواء ، وانسجام ، وتآلف عائلي ، تُغرد بلابله في جو أسري مفعم بالحب والموده والرحمة أكثر بكثير من الوقت الحاضر .

ولما اقتحمت وسائل التواصل الإجتماعي بيوتنا بلا استئذان ، فرضتْ سيطرتها على الكبير قبل الصغير ، فأوجدت في البيت إنعزال كل ذي فرد بجهازه الخاص ، فهو أنيسه ، ورفيق دربه ، ومنتهى سلوته .

بيت واحد يحوي أب ، وأم ، وبنين ، وبنات ، وهدوء مخيم على أركان البيت ، ففي السابق تسمع ضحكات أفراد الأسرة سوياً على موقف رواه أحدهم ، فتسابق الصغير قبل الكبير للتعقيب على ما سمعه ، وفي السابق كنتَ ترى تراكض الصغار في لعب بريء مع بعضهم ، وكنتَ ترى عراكهم على لعبة ، أو على حلوى يتخاطفها القوي قبل الضعيف ، أو الشقي قبل الهادئ ، وكنتَ ترى الأبناء يلجؤون لبعضهم في أدق تفاصيل حياتهم ، والآن مع الأسف يفضفض أحدهم ويبث شكواه لوسائل التواصل الإجتماعي ، لكي يطبطب عليه ويواسيه ، ويحل مشكلته أناسُ لا يراهم في أرض الواقع ، وإنما خلف الشاشات .

مالذي جرى لأفراد الأسره ؛ حتى يتم هذا الإنعزال الذاتي ، وينكفء كل فرد على نفسه وبيده جواله يُضاحكه ، ويُؤانسه وَيخلقُ له جواً يسعده ؟ .

أما آن الأوان أن يكون لرب الأسره وقبطان السفينه موقفاً بطولياً يُوجه فيه من يركب معه إلى بر الأمان ؟ بحيث يكون له جلسة عائليه داخل أسرته يجتمع فيها الصغار والكبار ولو مره واحده في الأسبوع ، ولتكن يوم عطلتهم في يوم الجمعه بحيث يتفرغ الجميع لجو أسري تملؤه الأحاديث الوديه ، والألغاز ، والقصص الجميله ، والألعاب المسليه ، مع طرح المواضيع الهادفه التي تزيد الأسره تماسكاً ، وتلاحماً ، وموده ، والأهم مافي الأمر أن تكون هناك سَلَّه جانبيه يضع فيها الجميع جوالاتهم بعد قفلها ؛ حتى يتفرغ جميع أفراد الأسره لأطايب الكلام ، و جميل النقاشات ، وحلو الأحاديث الوديه ، ولا مانع برحله بريه أو بحريه يجتمع فيها أفراد الأسره سوياً بعد أسبوع شاق من الدراسة .

إنَّ الجلسة العائليه لا معنى لها ، إذا كانت شاشات الجوال في يد كل فرد يتصفح ما يهوى له ، لذا دعوا الأجهزة في غرف نومكم ، علها تستريح من عناء وصخب وسائل التواصل الإجتماعي ، وأقبلوا بأسماعكم وأبصاركم إلى جلسة أبويه حانيه تتخلها موعظه وحكمه وعبره ولفته تربوية مع تبادل وجهات النظر فيما طُرح .

وبعد الجلسة العائلية ، هناك أمرٌ آخر وهو أنه ينبغي على رب الأسره تعويد أفراد أسرته على تناول وجبات الطعام سوياً ، فإذا حان وقت الغداء أو العشاء ، فليترك كل ذي فرد مافي يده من جهاز ، ويجتمع مع أفراد أسرته على طعام واحد ، حتى يعتادوا على الجو العائلي الجميل بدل إنعزال كل ذي فرد بوجبة طعام لمفرده برفقه جواله ..

أيها المربون ، بادروا من الآن في إصلاح ما مضى ، وافتحوا صفحه جديده تلم شمل العائله بعد تفرقها ، حتى لا يأتي يوم وتعضوا أصابع الندم على ضياع فلذات أكبادهم بطوفان التكنولوجيا الحديثه ، فكم من أبناء انحرفوا عن جادة الصواب ، وكم من بنات هتكوا سمعة والدهم بتخطي الحدود ، وكم من صغار تُركوا على هذه الأجهزه ليل نهار ، حتى بلبلتْ عقيدتهم ، وسلبتْ براءة طفولتهم ،  وجعلتْ منهم نُسخ مكرره لقدوات لا يستحقون أن يكونوا قدوات ..


                                   ✍️ سلمى الحربي

...