اصنع حياتك




هنالك أمور في دنياك لا تستطيع مهما أوتيت من قوة ، وذكاء ، ونفوذ أن تدفع أو تمنع حُصولها ؛ لأنها تأتي من السماء مُقدَّره ، فما عليك سوى الرضا والتسليم بما كتبه الله لك ، فبالرضا والتسليم أنت تصنع مشروباً محلى بطعم تُحبه ، وكذا أنت تنظر في رحمات الله ، لعلمك أن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنه ، فترضى بما حكمه الله بنفس مؤمنه تتوق لرضا الإله .

وفي المقابل هناك أموراً أنت بذاتك تصنعها لنفسك ؛ فالإيحاء الذاتي السلبي ؛ والتفكير الأرعن ، أو السوداوي ، وتطويع الجوارح نحو مهاوي الرذيلة يصنع من حياتك ظُلماتٌ بعضها فوق بعض .

أنت الذي تصنع حياتك ، فإذا قرَّرتَ أن تكون تعيساً ستكون كذلك ، وإذا قررت أن تكون سعيداً ستكون سعيداً.

وفرقٌ بين : ( أنا مسكين .. أنا لاحَظَّ لي بدنياي ..أنا فقير ..أنا مريض ومتعب .. أنا الكل متآمر ضدي .. أنا الأبواب مقفله في وجهي .. أنا لا أجد قوت يومي ) وفرق بين : ( أنا بنعمة ربي مُمتن .. أنا متفائل .. أنا سعيد .. أنا طموح .. أنا قوي .. أنا شُجاع .. أنا ناجح .. أنا سأعمل لأصل لمبتغاي ) .

وفي الحديث القدسي : ( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء ) فحُسن الظن بالله يصنع الأعاجيب ؛ فإذا كُنتَ تدعو وأنت متيقن بالإجابه سيفتح الله لك أبواب الخير بحسن ظنك بربك ، ولو ساورك شكٌ وأنت ترفع يديك لمولاك بأن سُؤلك صعب المنال بعيد الحصول ، سيكون ما ظننته بربك ماثلاً أمام عينيك ..

دنياك من صنع يديك فاصنع لك شيئاً تحبه يتناغى مع لحنك الجميل في دنياك .

ألا ترى الفرق بين اثنين كليهما تمر عليه الأربع وعشرون ساعه في يومه ، فالأول يُبدع في تقسيم يومه ، فوقتٌ لربه جل جلاله ، ووقتٌ يُغدق فيه على الناس بما وهبه الله من عطايا ، فيُعلم ، ويُوجه ، ويُرشد ، ويُسدي الخير للناس جميعاً ، ووقتٌ يطور من نفسه لترقى سُلَّم المعالي . 

 أما الثاني ، وما أدراك ما الثاني ! فيعيش تخبطاً في دنياه بلا هدف ، فلا يعرف سوى الكسل ، والنوم ، وترفيه النفس ببهارج الدنيا ، والتَّسَمُّر على متابعة تافهي السوشل ميديا الذين لا يضيفون لحياته صفحه مثمره تضيء كيانه. 

فرق شاسع بين الإثنين ، ولو غِبتَ سنوات وعٌدتَ لنفس الإثنين ، تجد الأول قد تبوأ مَكَانَه مرموقه ، وعَلا كَعْبُه في مجتمعه ، والثاني كما هو لم يتغير فيه شيء ! .

اصنع حياتك بيدك ولا تنتظر الفرص لتأتيك ، فإذا كُنتَ لم تتوظف بعد ، فقدم نفسك للجهة التي ترى نفسك أهلاً للعمل معها ، اترك سيرتك الذاتيه في كل جهة ، وفي كل مكان يرتبط بعملك ، ولا تنتظر الوقت الذي يُعلن فيه عن الحاجه لموظفين ، بادر بعرض نفسك ومؤهلاتك قبل أن يُعلنوا هم عن توفر الوظائف ، وإذا أعلنوا كن أول المبادرين وتوكل على الله .

ولكي تصنع لك مقاماً رفيعاً في حياتك ، طور من نفسك ، وانهل من معين تخصصك المزيد والمزيد ، ولا تقف عند حدٍ ، فالظمآن يشتاق لشربةِ ماءٍ نبعُها فيَّاض تروي العِطاش .

تعلم لغة جديده وأبدع فيها ..  تعلم حِرفه جديده وأتقنها ، اقرأ كثيراً عن الناجحين ، وأهل العلم والعلماء ، والمفكرين .. خالط الإيجابيين ، وصاحب المتميزين .. اهرب من المتشائمين ، وابتعد عن السلبيين .. تعاون أنت وصديق أو أصدقاء في نشر الخير ونفع الآخرين .

اصنع من دنياك مزرعه للآخره ، وابنِ لك قصور في الجنة بأعمال ومكارم ترفعك عند مليكٍ مُقتدر ..

اقترب من ربك ؛ ليقترب منك كل شيء جميل ، فأساس الفلاح والنجاح ، والسعد والهناء في القرب من الله تعالى ، وبالعمل الصالح تحيا حياة طيبه : ( من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبه ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) سورة النحل آيه ٩٧ .


                                 ✍️ سلمى الحربي

...