نفسك أولاً

 


يسعى كثيرٌ من الناس لإرضاء البشر ، الرضا المستميت بحيث يهمل نفسه إهمالاً بيناً ؛ ليستحوذ على رضا الناس ، ويا ليته في النهاية يرضيهم كما ألغى وجوده ! .

فتجد الأم تُردد : ( أولادي أهم شيء في حياتي ) فتعطي عطاء لا حد له ، وتستنفذ طاقتها الجسديه ، والصحيه ، والنفسيه ، وتنسى ذاتها على حساب راحة أولادها .

وتجد المُعلم شِعاره : ( كن أنت الشمعة التي تحترق لتُضيء غيرها ) فتجده يستهلك الكثير من وقته ، ويسهر الليالي ؛ لإعداد الدرس إعداداً لائقاً ؛ حرصاً منه على المثاليه ، والظهور بمظهر فاخر أمام المُوجِّه ، والمدير ، والإدارة التعليمية .

وترى مُوظف آخر ، يُهلك نفسه بساعات إضافيه من العمل ؛ رغبه في مال إضافي ، ويُضَيِّقْ على نفسه بكم هائل من الدورات المكثفه بلا رحمه لذاته ، وكذا يحرم نفسه من الإجازات ؛ لينجز أقصى ما تصبو إليه نفسه ، وقد تتدهور صحته الجسديه ، والنفسيه على حساب عمله . 

ومن الناس من لا يعرف أن يقول  : ( لا أستطيع ، وقتي لا يسمح ) فتجده يحضر كل مناسبه ، وكل لقاء ، وكل محفل ، وكل دعوة ، وكل اجتماع ، فلا وقت لديه لنزهه مع أولاده ، ولا جلسة عائليه لأفراد أسرته ، ولا وقت لديه لممارسة الرياضه ، أو تطوير ذاته  ؛ لأنه مَحَا وجوده حينما كان للجميع أولوية خاصه في حياته ، ماعدا ذاته أهملها أيما إهمال ! .

وكذا بعض العُبَّاد يزهد في دنياه ، فلا لِباس جيد ، ولا طعام شهي ، ولا مسكن هني ، ولذلك أخطأ بعضهم عندما بالغ في العباده ونسي نفسه ، فعن أنس - رضي الله عنه - قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا : ( أين نحن من النبي ﷺ وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) ، قال أحدهم : ( أما أنا فأصلي الليل أبدا ) وقال الآخر : ( وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر ) وقال الآخر : ( وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ) ، فجاء رسول الله ﷺ إليهم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) متفق عليه .

وكذا في القرآن الكريم ، دعا المولى إلى السلوك بمسلك الإعتدال ، والموازنه بين الدنيا والآخره ، فلا ترجح كفه على أخرى : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخره ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ) سورة القصص آيه ٧٧ . 

نفسك أولاً ، ثم أولاً ، ثم أولاً ، ثم البقية ثانياً وليس أولاً ، فلنفسك عليك حقاً ، فإذا بالغتَ في إهمالها ، فأول من يجني على نفسه هو أنت وليس أحد سواك .

قدِّر ذاتك ، واعتز بنفسك ، ولا تُطفئ شمعة ذاتك ، لتُنير ذوات الآخرين ، وتنسى نفسك ، فصحتك الجسديه والنفسيه ، هي رأس مالك ، فإذا تدهورت على حساب إرضاء الآخرين ، فمنْ أفنيتَ حياتك لإرضاءهم ، هم أول من يتخلى عنك وقت ضعفك ، وحاجتك للمساندة ، لذا أول من يستحق الإهتمام ، هو نفسك ، ثم الآخرين بإعتدال وتوسُّط . 

                                 ✍️ سلمى الحربي

....