هنالك أرواح تستحق أن يُقال عنها : ( أرواح مُذهله ) يندهش من رآها لجمال مرآها ، فهي تمتلك نوعية فريده من الأرواح ليست كأي روح داخل جسد .
هذه الأرواح لا تعيش لنفسها فقط ، بل تشارك بروحها الخصبة الفيَّاضة آلاف البشر ، فلا يهنأ لها عيش إلا والفرحة ترفرف على هذا وذاك ، وهؤلاء وأولئك .
من الأرواح المذهلة تلك الروح التي وهبها الله نعمة الثراء فكانت أياديهم بالخير تهطل كالمزن المحمل بالغيث العميم ، فأوقافهم الخيريه تشهد أنهم كُرماء أبناء كُرماء ، ففي كل بلد لهم بصمه رائعه من آبار إرتوازية تروي العِطاش ، إلى دور للأيتام تؤويهم ، ومن بناء مساجد يُذكر فيها اسم الله كثيراً ، إلى معاهد تعليمية يقطنها آلاف المتعلمين .
وِجْهَةٌ أخرى لنوعية من الأرواح المذهلة ، ومنهم ذاك الذي وهب نفسه لخدمة حُجاج البيت العتيق ومعتمريه فهو يجود بلا حدود ، ويعطي بلا قيود ، فمنهم من له أربعون سنه يتشرف بحج آلاف الحجاج والمعتمرين على نفقته الخاصه من تذاكر وسفر وسكن ومطعم ومشرب ومواصلات ، يفعل ذلك بنفس تواقه لفعل الخير ، ترجو جزيل الثواب من رب كريم .
صفحه أخرى لأرواح مذهله رأيتهم في البيت العتيق من الجنسية الباكستانيه والهندية من نساء ورجال يعملون في نظافة الحرم المكي وهم في قمة الثراء والنعمه ، تركوا رونق الغِنى والبيوت الفارهه ؛ ليغسلوا أرضية وبلاط الحرم المكي تطوعاً ، بل يرونه شرفاً ومكرمه لهم .
أرأيتم ارواحاً ساميه كتلك الأرواح المتواضعه التي لم يدنسها حب المال ولا الثراء الفاحش ؛ كل ذلك لأن بريق المال وبريق الدنيا ليس في أعماق قلوبهم .. ! .
أرأيتم كيف يعشق هؤلاء تراب مكه وطهر الكعبة وجلالها ، وكيف يعشقون مرضاة الله تعالى .. ! .
وأرواح مذهلة أخرى كهؤلاء ، من أرباب النعمة والثراء يتلذذون بالعطاء وهم يطوفون القُرى والهِجر النائية الفقيرة بأنفسهم ، ويرافقهم شاحنات الأطعمة والأشربه والكساء ومقدار من المال لكل أسرة فقيره ، حتى الاطفال يُفرحون طفولتهم بحلوى وألعاب ، ومن يحتاج منهم لترميم بيته يرممونه ، ولو كانت القرية بحاجة لمساجد بنوها ..
تأتي تلك الأرواح المذهلة فيتسابق الصغار قبل الكبار للترحيب بهم والسرور بمقدمهم الآسر ، لأن لهم بصمة رائعه في نفوس الفقراء ..
ما أجمل تلك الأرواح ، فِعلاً هي مُذهله ..! .
ما أجمل ذلك الجسد الذي يمتلك روحاً جميله كهذه الروح .. !
لقد كسبت تلك الأرواح تقدير ربها ورضاه عنها ، وكسبت تقدير ذاتها ، وتقدير من حولها ..
ألا ما أهنأ تلك الأرواح وهي تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، ألا ما أهنأها وأسعدها والمولى يمتدحهم في كتابه : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) سورة البقرة آيه ٢٧٤.
✍️ سلمى الحربي
...